علم الفلك/عطارد/مقدمة
يساوي قطر كوكب عطارد نحو 2900 ميل، ويدور حول الشّمس على بعدٍ متوسّطه 36 مليون ميل، ويدور حولها دورةً كاملة خلال 88 يوماً. شكل مدار عطارد شديد التفلطح، بحيث يكون على بعد نحو 29 مليون ميل من الشّمس عند نقطة الحضيض، ويصبح على مسافة 43 مليون ميل عنه عند نقطة الأوج، وبسب هذا الاختلاف يتراوح بعده الزّاوي عن الشمس عند المطال بين 18 و27 درجة، ولذلك فصوره ليست متوافقةً تماماً.
كان الرّاصدون القدماء غير قادرين على مشاهدة أيّ تفاصيل لعطارد بسبب صغر حجمه من جهة، ولأنّه عندما يكون مرئيّاً في السّماء يكون قريباً من الأفق وبالتّالي فهو يلمع من خلال جزءٍ كبيرٍ من غلافنا الجويّ غير المستقر، وقد جرّب الفلكي "شروتر" في أواخر القرن الثّامن عشر وأوائل القرن التّاسع عشر أن يضع خريطةً له ولكنًه لم يوفّق كثيراً، وجاءت أولى الخرائط المعقولة لسطح عطارد بعد ذلك بعشرات السّنين عندما وضع الإيطاليّ "شيابارلي أنطونيادي" الذي يعمل في فرنسا خريطة عام 1933م، بانياً عمله على مقرابٍ كاسر من عيار 33 بوصة، وهذه الخريطة هي أفضل ما رُسِمَ مع أنّها تقريبيّةٌ جدّاً. استنتج شيابارلي من معالم سطح عطارد التي رسمها أن عطارد يحفظ نفس الوجه دائماً باتّجاه الشّمس (كما يفعل القمر حول الأرض)، ولذلك فإنّ دورة الكوكب حول نفسه تساوي السّنة فيه أي 88 يوم، وقد أكد هذه النتيجة بعض الرّاصدين. لم يكن باستطاعة عطارد أن يحتفظ بغلافٍ جوّيٍّ يذكر بسبب صغر حجمه، ومردُّ ذلك أنّ جزيئات الغاز التي تؤلّف أيّ جوٍّ لعطارد يحتمل وجودها فيما مضى كانت تتحرّك بسرعاتٍ أعظم من سرعة الإفلات للكوكب وبالتّالي أفلتت من الكوكب تماماً، لذلك لا يمكن أن تكون هناك تيّارات هواءٍ دافئٍ تنتقل من الجانب المواجه للشّمس إلى الجانب المظلم، وبناءً عليها تصل حرارة الجزء المقابل للشّمس إلى 400 درجة مئويّة، بينما تهبط درجة حرارة الجانب المظلم إلى 250 تحت الصّفر.
بقيت مدة دورة الكوكب حول نفسه 88 يوم مقبولةً لمدة 100 سنة تقريباً، رغم أن قياسات المزدوجات الحراريّة للإشعاع تحت الأحمر الصّادر عن الوجه المظلم للكوكب أشارت إلى درجة حرارةٍ أعلى بكثير مما يتوقع لو أنّ الوجه المطلم لم يرى الشّمس إطلاقاً، وقد اعتبرت هذه النّتائج غير موثوقة، وفي العشرين سنةً الماضية جاءت تقديرات حرارة الوجه المظلم أكثر غموضاً: 23 درجة مئوية تحت الصفر وحتى 27 درجة فوقه، وذلك استناداً لأساليب الموجات الراديوية والصغرية، ويمكن تفسير قسمٍ من هذه التناقضات بأن طرق القياس المختلفة تبين مستويات درجات الحرارة على مستوياتٍ مختلفة تحت سطح الكوكب، غير أن جميع النتائج تدل على أن عطارد لا يبقي نفس الوجه باتجاه الشّمس دائماً. وفي عام 1965م استخدم طبق الـ1000 قدم الرّاديوي الموجود في "أريسيبو" في بورتوريكو لقياس مدّة الدّورة بتقنيةٍ راداريّة، فإن كان الكوكب يدور على محوره ونظرنا إليه نجد أنّ أحد جانبيه يتقدّم إلينا بينما يتراجع الآخر، وإن أطلقنا حزمةً راديويّةً نحو كوكب عندها يعود إلينا القسم من الحزمة المنعكس على الجانب الذي يقترب منّا بطولٍ موجيٍّ أقصر قليلاً، بينما القسم المنعكس على الجانب المتراجع عنّا بطولٍ موجيٍّ أطول قليلاً، هذا مثالٌ على مفعول دوبلر الذي يجعل الإشارة العائدة إلينا تظهر نمطاً خاصّاً يمكّننا من معرفة سرعة الدّوران، وقد تبيّن من نتائج أريسيبو أنّ زمن الدّورة هو 59 يوماً، وأثبتت الدّراسات التّالية صحّة هذا الرّقم.
إنّ ما يثير الاهتمام في قيمة الدّورة المحوريّة البالغة 59 يوماً هي أنها تعادل تقريباً ثلثي دورة الكوكب حول الشّمس وكذلك نصف الدّورة الاقترانيّة، وهكذا يبدوا أنه عندما يعود عطارد إلى موقعٍ في السّماء كان قد شوهد فيه قبلاً يكون قد دار حول محوره مرّتين، ولذلك يمكننا مشاهدة المعالم ذاتها في نفس الموقع مرّةً ثانية، هذا يبيّن سبب انخداع الرّاصدين القدماء الذين اعتقدوا أنّ عطارد قمرٌ مأسور.