حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل الخمسون والأخير
الأبطالُ يحتاجونَ للقوةِ لنهوض ، قوتهم تنبعُ من داخلهم ، هم لا يحتاجونَ ليدٍ تُربت على أكتافهم ، همُ اليد وهمُ الكتف ، ولكن حينَ تكسرُ الأثقال تلكَ الأكتاف ، وتلكَ الأيادي ، تنحدرُ بطولتهم إلى النهاية ، تلكَ النهاية المأساوية ، فلا بطولة الآن أمامَ زحامِ الأحزان . البناءَ الذي لم يصمم جيداً ، مصيرهُ أن يُهدمَ بدونِ إنذار ، قد نحتاجُ إلى إعادةِ صيانتهِ ولكن هنا حجارةٌ سَتُهدم ، وحجارةٌ أخرى سَتُبنى ، وما بينَ الهدمِ والبناء ثقوبٌ تنتظرُ ذرةَ هواءٍ .
سامر : منى أرجوكِ لا تفعليها .
منى : أريدُ أن أعرفَ منكَ مكانَ قبرِ طفلي .
سامر : حسناً .
أخبرَ سامر منى بمكانِ قبرِ طفلهما ، غادرت منى السجنَ وذهبت للقبر ، وجدته صغيراً بمنتصفِ غابةٍ جلست بجوارهِ وبدأت تبكي ضلت تبكي حتى غفت قليلاً ، أثناءِ غفوها .
سليم : منى استيقظِ .
منى : ماذا تريدُ مني يا سليم .
سليم : ألم أطلبَ منكِ أن تحافظي على طفلكِ .
منى : نعم ، لكنني لم أستطع .
سليم : لا عليكِ طفلكِ بجواري هنا .
منى : حقاً يا سليم ؟!
سليم : نعم ، ونحنُ بانتظاركِ .
منى : أنا قادمة إليكما .
سليم : هل ستأتي إلينا هكذا ؟ ألا تريدينَ أن ترتدي ثياباً جميلة ؟ ألا تريدينَ أن تصففي شعركِ ؟
منى : بل سأفعل .
سليم : منى أريدُ منكِ الآن أن تعدي مكاناً لِنفسكِ بجوارِ طفلكِ .
منى : هل يمكنني أن أعدَّ مكاناً لسامر أيضاً ؟
سليم : نعم يمكنكِ ذلك .
استيقظت منى من نومها ، وبدأت تبحثُ بالغابةِ عن معداتِ حفرٍ ، وجدت فأسً ، أخذتهُ حيثُ قبرِ طفلها ، بدأت بالحفر لقبرين واحدٌ لها والآخر لسامر .
استمرت بالحفرِ من منتصفِ الليل وحتى ساعاتِ الصباحِ الباكر ، حينَ أنهت عادت إلى منزلها قامت بالإستحمام ، وارتدت فستاناً لونهُ أخضر بلونِ عيناها ، سرَّحت شعرها ، ووضعت القليلَ من الكحلِ وأحمر الشفاه ، ثم ذهبت للمكانِ الذي سوفَ يعدمُ بهِ سامر ورفاقهِ الإرهابيين .
كانَ إعدامهم بساحة عامة أمامَ جميعَ أهلِ البلاد ، لكن لم يكن هنالكَ ثعابين كما حصلَ مع منى من قبل ، وسامر ، إذ أن قوانينَ هذهِ البلاد مختلفة .
وصلت منى إلى مكانِ الإعدام ، كان سامر مقيد اليدينَ والحبلَ بعنقهِ ، والبقيةُ مثلهِ ، بدأ أحد الأفراد المعنيين بتنفيذِ حكمِ الإعدام ، بالتجولِ بينَ المجرمين ، يسألهم عن أخرِ طلبٍ لهم قبلَ الإعدام .
طلبَ سامرٌ منهُ أن يحضرَ لهُ منى ، استجابَ لطلبهِ ، واستخدم مكبر الصوت يسألُ فيهِ عن منى ، تقدمت منى نحو المنصة ، فَأخبرها أن سامر يريدُ مقابلتها ، ذهبت إليهِ. سامر : ما سرُ هذا الجمال اليوم ؟
منى : هذهِ رغبةُ سليم .
سامر : لم أكن أعلمُ أنكِ قاسيةُ القلبِ هكذا ! .
لا تعدُ قسوةَ القلبِ بعدَ حنانهِ أمراً سهل ، فذاكَ الحنان الذي تهمشَ بصورةٍ قاسية ، أرادَ الانتقامَ منَ المهمشينَ لهُ ، فاختارَ طريقَ القسوة ، لا الذنبُ ذنبَ القلبِ ، ولا العقلُ صاحبَ الشأنِ ، تلك الجروح كانت هاي الحكيمة .
منى : أينَ الورقة ؟ سامر : سأُعطيكِ الورقة ، لكن أريدُ أن أسالكِ سؤالاً واحدً . منى : تفضل .
سامر : أتحبينني ؟
منى : أنا لا أنسى أنني قد أحببتُكَ يوماً ، وأنا لا أنسى حجمَ الحبِ المرافق بالألم الذي أهديتني إياه ، لذا أنا لا أحبك .
سامر : لِمَ لا تحبينني ؟!
منى : لن أنسى تلكَ الليلةَ التي ضربتني بها ونمت بعيداً عني ، الأمر الذي جعل الخاطف يستسهل الدخول للمنزل وخطفِ طفلي ، لن أنسى تلكَ الليالي التي كنتَ تعودَ بها للمنزل وأنتَ بحالةِ السِكرِ ، كنت كالوحش تضربني بلا رحمة ثم تغتصبني نعم تلكَ عادتكَ الاغتصاب ، وتلكَ خطيئتُكَ الأولى التي غفرتها لكَ لكنكَ لا تستحق ، ثم بالصباح تعتذر عن ما فعلت ، وتتجه نحوَ خطيئتُكَ الثانية وهي إشعالُ الحرب ، كل هذا كان كافٍ حتى زارتني تلكَ الساحرة وأخبرتني عن ما أخفيتهُ عني ، لكنني أشكُ بالفاعل وهذا الحدس يجعلني أكرهكَ قبلَ التأكدِ من الفاعل . تركت منى سامر وحدهُ ولم تفتح الورقة ، بدأَ الشخص المعني بتنفيذِ حكمِ الإعدام بإعدام وليد أولاً ، و استمر بالبقيةِ ، حتى وصلَ إلى سامر . بدأ شريطُ الذكريات يمرُ أمامَ عينيهِ ، تذكرَ حينما اغتصبَ منى ، وتذكر عندما وقفَ مثلَ هذه الوقفة قبل هذه المرة ، حينها كانت منى ترجو حراس الملك أن يتركوهُ ، تذكرَ العجوز حينما جأت إليه تدعوهُ الزواج من منى ، وحينما حملت منى ، وعندما قتلَ طفلهُ ، نزلت دمعتهُ عفوياً على خدهِ ، كانَ يأمل ويرتجي من الله أن يسمعَ آخرَ كلمةٍ من منى ، ولكن هيهات .
أزاحَ الشخص المنفذ لحكمِ الإعدام الحجرةَ من تحتِ قدمي سامر ، فنزلَ جسمه للأسفل ، ورأسهُ معلقة بالحبل ، نعم ماتَ سامر .
توجهت منى إلى المنصة وقامت باحتضانِ سامر وتبكي بحرارة ، قائلة : لطالما رحلَ الذينَ أحببتهم يوماً عني ، ولكنني متأثرةٌ بموتكَ أكثرَ منهم ، لا أعلمُ لماذا ، نم يا سامر نومكَ الطويل ، لحظاتٌ وأكونُ بجواركَ .
ثمَ قامت بجرِ جثةِ سامر إلى القبرِ الذي أعدتهُ لهُ ، وضعتهُ بداخلهِ ونثرت عليهِ التراب ، وهي تنثرُ التراب ، كانت تتذكرُ حينما نثراهُ معاً فوقَ جدتها ، منى لقد أعدت قبرهما بجوارِ بعضهما وبينهما طفلهما .
ثم كانت قد ربطت بالشجرة حبلاً وضعتهُ برأسها ، ثم قالت : أنا قادمة إليكَ يا سليم ، قادمة إليكَ يا طفلي ، قادمة إليكم يا عائلتي ، قادمة يا جدتي ، قادمة لكَ يا سامر .
أخرجت الورقةَ التي أعطاها إياها سامر فتحتها ، وقرأت ما كتبَ سامر ، كان قد كتب " أنا من قتلتُ طفلنا ، ومنذُ ذاكَ اليوم أدمنتُ الخمرَ " ، لم تتفاجأ منى كانت تشكُ بهِ لكنها الآن متأكدة منهُ .
دفعت بقوةٍ البرميل الذي عليهِ قدامها ، حتى ماتت ولكن جثتها بقيت معلقة بالشجرة . إلى أن جأت .... ودفنت منى بالقبر الذي أعدتهُ لنفسها.
الحب والحرب شيئانِ مختلفان ، لا يمكن أن نقيدهم بخاتمِ زواج علينا الاختيار إما الحب أو الحرب ، قد يأتي الحبُ مع الحرب لكن قبلَ أن تنبضَ قلوبنا تلكَ النبضةُ المميزة علينا إعلانُ الحربِ عليها وقتلها .
الخاتمة
[عدل]الحرب قد سرقت من منى حبها الأول ، وقد سرقت والديها ، وسرقت طفلها ، ثم حبها الثاني ، ثمَ سرقت منى ، كلُ أحبتها ذهبوا بسببِ الحرب ، الحرب هنا كانت مميزة فـَ المخدراتُ حرب ، والإرهابُ حرب ، والاغتصابُ حرب ، وقارئةُ الكفِّ حرب .
يا رفاقَ #الحبِ وداعاً بلا #الحربِ .