حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل التاسع والعشرون
ما المانع إذا كانت نبتةُ الحشيش هي جارتي؟ منذُ هذه اللحظة أُعلنُ حسنَ الجوارِ بيننا ، على الرغم من اضطراري بأن أزرعها بعيداً عن أعينِ البشر ، لا أصدقُ عدوانيتهم عليها ، أراها مجرد وريقاتٍ خضراء تحملني إلى الفضاءِ ، بعيداً عن ضوضاءِ حياتي ، و بعيداً عن فقري ، لِمَ ينظرونَ إليها وكأنها سلاح يهددُ الآخرينَ بالقتلِ ؟! هي رفيقتي التي فضلتها على سيجارتي ، رغمَ أن علي دائماً يطلبُ مني أن أتناول مثل الحبوب التي يأكلها بداعي أنها ألذ ، يصفها لي بأنَّ جوها عالٍ ، دفعني الفضولُ يوماً أن أجربها ، لم أجد حينها إلا علاماتٍ على جسدي ، وأنا غارقٌ بالماءِ كأنني كنتُ ببركةِ سباحة ، أذكرُ أن رفيقي علي رحمهُ الله قد غَضِبَ مني. كانَ غاضباً من جسدي الجبان الذي لم يستطع تحملّ حبةِ مخدرٍ واحدة ، كان يسألني بسخريةٍ : تناولتَ حبةً واحدةً أُغميَّ عليك ، فكيفَ لو تناولتَ أكثر ؟ بل كيفَ لو جعلتُكَ تجرب أقوى نوع ؟ كيفَ لو جعلتُ طريقة المخدر حقناً بالإبر ؟ هل كنتَ ستبكي من الإبرة ؟ أم يغمى عليكَ من المخدر ؟ أذكرُ حينها بأنني تحديتُ نفسي و أكلتُ أكثرَ من حبتين لا أذكرُ الرقمَ بالدقة ، و لكنني بالفعل حلقتُ بذاكَ الجوِ العالي الذي وصفهُ لي علي ، كنتُ بمثابةِ طيرٍ يطيرُ هنا و هناك ، لم أعد أستمع لصوتِ بكاءِ طفلي المزعج ، و تخلصتُ من صوتها حينَ كانت تطلبُ مني أن أُحضِر لهُ الحليبَ و الحفاضاتِ ، كانَ صوتها أشبهُ بنعيقِ البوم ، و لكنني أسمعهُ بهذهِ اللحظةِ تغاريد عصفور. هذهِ المرةَ أحضرتُ لها طلباتها دونَ أن أضربها ، أو أواجها بالصراخ ، هذا الأمر جعلها تتعجب ، رأيتُ تعجبها حينَ سالت دمعتها ، سألتها عن سرِّ دمعتها ، فأجابتني أنها غير مطمئنة لوضعي ، أذكرُ بأنني قد صفعتها كفاً لتطمئن. من هي المرأة ؟ هي تلكَ الإنسانةُ الدائمةِ التعجب ، لا تظهر ملامح التعجب عليها ، حمقاء في كلِ الحالاتِ كانت تبكي ، بالفرحِ و بالحزن و عندَ الغضب ، تمنيتُ لو أن هنالكَ اختبارٌ لدمعة يتشابه مع اختبار الدم ، لأعرف قوة الدمعة و أسبابها ، نعم أسبابها ، أتظنُ أن المرأة ستخبركَ عن سببِ بكائها ؟ لا ، هي تربطُ اهتمامكَ بها بمعرفةِ الإجابة وحدكَ ، المرأة تطلبُ من الرجل أن يكون ساحراً ، لمعرفةِ أسبابِ بكائها دون أن تتكلم بها ، و ليحقق لها أحلامها. يفترض على كلِّ رَجُلٍ أن يكونَ ساحر ، فالحبُ معقودٌ عندها بالسحر ، إن كنتَ تحبها عليكَ قراءة ما بقلبها ، وما بينَ حدة نظرها ، عليكَ معرفةَ أحلامها دونَ أن تسردها لكَ في الصباح ، و لتتمكن من كلِّ هذا عليكَ أن تكونَ ساحر. أذكرُ حينما عدتُ للمنزلِ ذاتَ ليلةٍ و أنا بحالةِ سكرانٍ ، وبختني كثيراً ، تعاملت معي و كأنني طفلها ، حينها تمردت رجولتي عليها ، لأجعلها ملطخة بالدماء من شدةِ الضرب ، لم يبعدني عنها سوا صوتُ طفلنا الذي استيقظَ يبكي من الجوع ، و قامت هي الأُخرة بإرضاعهِ و دموعها تتساقطُ فوقهُ ، كانت تستفزني دموعها ، كانت عدوي الوحيد. انتظرتها حتى أنهت إرضاعهُ و واصلتُ ضربها من جديد ، أشبعتها من كلامِ الذم و التحقير ما يكفي ، لن يبعدني عنها هذهِ المرة غيرَ قُبلتها التي طبعتها بأحمرِ شفاهها على حذائي. كانت تظنُ أن أحمرَّ شفاهها سيذهلُ عقلي ، الغبيةُ كانت تعتبرهُ مثلَ كاساتِ خمري ، لا مجال إلا أن أتوقفَ عن ضربها الآن ، فأحمرُ شفاهها قد أغرا حذائي فقط. حاولتُ مراراً وتحت التعذيب أن أجعلها تتذوق بعضاً من الخمرِ ، كنتُ أريدُ أن تنشغلَ عني بتلكَ الأجواءِ العالية ، و تعذرني حينَ أعودُ إليها شارباً للخمرِ ، و لكنها تمردت على كأسِ خمري ، تمردت على عالمي ، تمردت على طقوسي. لم يكن هنالكَ حل غيرَ ضربها أيضاً ، لقد تبلدت منَ الضربِ نعم تبلدت ، فربما أدمنتهُ مثلَ إدماني للكحولِ و المخدرات ، أنا الآن بصددِ البحثِ عن شيءٍ يؤلمها أكثر ، يكونُ تأثيرهُ عليها أطول ، لن أقتلها هي حبيبتي أيضاً ، بل سأُعاقبها. سأُعاقبها لحدِ الانتحار ، هي الناعمة الفاتنة ، ستفارقُ الحياةَ بيديها الناعمتين ، بعدَ أن كانت يديها السلام ، ستصبحُ هي الحرب ، و بعدَ أن كانت هي الرفيقة ، ستصبحُ هي العدوة. سلاماً لروحكِ الطاهرة يا براءةَ السماء.