حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل التاسع والثلاثون
و كأنَ عقلها وضعَ صوتي كـَجزء تشريحي في وسطِ أذُنيها ، و كأنها دعت أن لا تفارقَ أُذُنيها أنغامَ صوتي ، و كأنَّ شعوبَ العالم رددت " اللهم أمين " . يا مرَّ الحبِ و يا مراري ، يا دمعةَ الحزنِ و يا أحزاني ، يا أهات الألم و أهاتي ، بربكِ كفِ عن دورِ البراءة ! ما عادَ لقلبي متسعٌ للمزيدٍ من تهمشيكِ ، في كلِ مرةٍ كنتُ أبرعُ بدورِ الشرير ، كانت برائتُكِ و طُهرَ قلبكِ تداري أعمالي ، كانَ سلاحكِ دمعكِ الذي لم يكن بالنسبةِ إليَّ سوا أقوى أنواعِ الأسلحة ، التي أقفُ أمامها أحتضر ، أذكرُ أن شريطَ الذكرياتِ و هو يمر كانَ مسرعاً بعرضِ ضحكاتُكِ ، و كانَ كثيراً ما يقفُ عند أحزانكِ ، عند دموعكِ ، الأمر الذي عجلَّ بعذابي قبل أن تنثرَ يديكِ يدا السلام التراب فوقي . منى : إنهُ صوتُ سامر ، و لكنهُ ليسَ سامر ! سامر : بل هو أنا حبيبُكِ يا حبيبتي . منى : لماذا شكلكَ هكذا ؟ تفاجأ سامر من هدوءِ منى و عدم اهتمامها بمكانِ تواجدها ، أو حتى سؤالها عن طفلهما ، فذهبَ لطبيب . سامر : لقد استيقظت منى لكنني أظنها فاقدة لذاكرة . الطبيب : تعالَ معي لأراها . وقفَ الطبيب بجانبِ منى ، سألها : كيفَ حالكِ يا منى ؟ منى : بخيرٍ ، و لكن قل لي أيها الطبيب ، لماذا يبدو زوجي هكذا ؟ الطبيب : لا أرى شيئاً غريباً بزوجكِ ! ما هو الغريبُ بهِ ؟ منى : لم تكن لِحيتهُ هكذا ، و لم تكن عيناهُ بلونِ الأحمر هكذا . الطبيب : منى هل تعلمينَّ أينَ أنتِ ؟ منى : نعم أنا بالمشفى . الطبيب : لِمَ أنتِ هنا ؟ منى بعدَ عدةِ دقائق : لقد كنتُ أبحثُ عن شيءٍ و لم أجدهُ ، حينها أصابني الدوار ، أظنُ أنني قد سقطتُ على الأرضِ ، و بالطبع زوجي الحبيب أحضرني إلى هنا . الطبيب : منذُ متى أنتِ هنا ؟ منى : منذُ يومين . الطبيب : أنتِ هنا منذُ شهر ، و زوجكِ ترينهُ هكذا لأنهُ أهملَ جسدهُ و صحتهُ حزناً عليكِ ، إذ أنهُ لم يفارقُكِ للحظةٍ . منى : هل بقيتُ نائمة شهراً ؟ الطبيب : نعم ، لقد دخلتي بصدمةٍ و انهيارٍ عصبي ، أدخلكِ بغيبوبةٍ لمدةِ شهرٍ كاملٍ . منى : يا ترى ما هو الشيءُ الذي فقدتهُ و جعلني بغيبوبةٍ طيلةَ هذهِ المدة . الطبيب : عليكِ التذكر . منى : حسناً . خرجَ الطبيب و طلب من سامر الخروجَ معهُ للخارج . الطبيب : على ما يبدو أن زوجتكَ تتذكرُ كلَ شيءٍ باستثناءِ أن لديها طفل و أنهُ قد خُطف . سامر : أمرٌ جيدٌ الحمدلله . الطبيب : ما هو الجيدُ بالموضوع ؟ سامر بتلعثمٍ : لا ، لا شيء و لكن أخافُ إذ تذكرت أن تدخل بنفسِ تلكَ الغيبوبةِ . الطبيب : لا هي لن تعودَ لنفسِ تلك الصدمة ، و لكن يجب أن تتذكر ، خاصةً أن طفلكما مفقودٌ قد يعودُ لكما بأيِّ يوم . سامر : و إن لم يعد ؟! الطبيب : حتى لو لم يعد ، عليها أن تتذكر عندَ خروجها من المشفى ستجدُ سريرَ الطفل ، و ملابسهِ هذا سَيساعدها على تذكرهِ . سامر : إذاً بجميعِ الأحوال عليها أن تتذكر ؟! الطبيب : طبعاً فهذا حقها ، لأنها أم ، و بعدَ فترةٍ إن لم تتذكر يجب أن تأتي بها إلينا لنبدأ بتذكيرها مع العلاج النفسي . شكرَ سامر الطبيب ، ثمَ اتصلَ بالشيخِ و قصَ عليهِ ما أخبرهُ بهِ الطبيب. و لكن كان لشيخِ رأيٌ آخر يختلفُ عن الطبيب ، فقد ذهبَ مسرعاً إلى منزلِ سامر ، و قامَ بأخذِ سرير الطفلِ ، و ملابسهِ ، و ألعابهِ ، نقلها إلى المسجد و قامَ بإحراقها كلها . سمحَ الطبيب لمنى بالخروجِ مع بعض المهدئات ، و التعليمات ، ثم ركبت مع سامر بالسيارة ، و وصلا لمنزلهما . منى : سامر من فضلكَ هلا حلقتَ لحيتكَ و شعرُكَ لأنني أشتاقُ لوجهكَ القديم . سامر : بالطبعِ يا منى ، سأذهبُ حالاً للحلاق . صعدت منى لغرفتها ، تذكرت أول ما نظرت لسريرها ، أنها كانت نائمةٌ عليهِ قبلَ أن تشعر بالدوار ، و تسقطَ على الأرض ، كانت قد قامت للبحثِ عن شيءٍ لكنها للأن هي لا تعلمُ ما الذي كانت تبحثُ عنهُ . دخلت لتستحمَ و ارتدت بجامتها الورديةَ ، و ألقت بنفسها على سريرها لتنام ، و نامت . وصلَ سامر للمنزل و كانَ قد أحضرَ معهُ العشاءَ ، لم يرى منى بالصالة ، فأسرعَ للغرفة ليجدها نائمة على السرير ، ظنَ أنها تذكرت و دخلت بغيبوبةٍ ، فحاولَ إيقاظها و لكنها كانت تستجيبُ لهُ قائلة : سامر أريدُ النومَ قليلاً . إطمئنَ سامر ، و ذهبَ ليستحم ، و بعدما خرجَ تفاجئ بأن سريرَ الطفلِ ليسَ هنا ، فتحَ خزانتهُ لم يجد ملابسهُ ، قررَ الاتصالِ بالشيخ . سامر : مساءُ الخير . الشيخ : مساء النور ، كيف حالُ زوجتكَ ؟ سامر : بخيرٍ ، الحمدلله . الشيخ : أنا أعلمُ سبب اتصالكَ معي بهذا الوقت ، كنتَ تريدُ أن تسألني عن سرير و ملابس ابنك ! أليسَ كذلك ؟ سامر : نعم صحيح ، فهي ليست بالمنزل .