تاريخ الفلك/التنجيم
التنجيم هو علم التنبؤ الغيبي. وقد نشأ بالأصل في بلاد ما بين النهرين بشمال العراق، وكان أحد فروع علم الفلك، وكان يعني بالطالع للتعرف عل أمور مستقبلية. ومارس السومريون والبابليون فنَّ التنجيم من خلال مراقبة الشمس والقمر والنجوم والمذنبات وأقواس قزح للتنبؤ بالأوبئة والمحاصيل والحروب. وفي سنة 1000 ق.م أصبحت لدى البابليين والآشوريين مجموعة دلائل نجمية للقياس التنبؤي عليها. فحدَّدوا من خلالها الأيام سيئة الطالع وأيام السعد. وكان القواد في المعارك يستعينون بالمنجمين لتحديد مواعيد المعارك الحربية، ولأنهم كانوا يعتقدون أن الفرد حياته ومصيره مرتبطان بالنجوم والكواكب. وكان قدماء المصريّين والبابليين يعتقدون أن هذه النجوم والكواكب تؤثر على الحياة فوق الأرض. وانتقل التنجيم للإغريق من بلاد الفرس وما بين النهرين، وكان يُلقَّن على أيدي الكهنة بالمعابد. وكان لكلٍّ من قدماء المصريين والبابليين فلكهم الخاص بهم. فلقد عُثِرَ على تقاويم فوق أغطية التوابيت الفرعونية ترجع لسنة 2000-1600 ق.م، ووجد أن أسقف المقابر المملكة الحديثة فد زيَّنت بصور النجوم التي كانت ترى بالسماء، وأطلقت عليها أسماؤها. كما وجدت في بلاد ما بين النهرين تشكيلات لصور النجوم، وكان البابليون يتنبؤن بدقة بالخسوف والكسوف للشمس والقمر. وتاريخ الفلك يبدأ منذ عصر ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان الأول قد شغل تفكيره بالحركة الظاهرية المتكررة للشمس والقمر وتتابع الليل حيث يظهر الظلام وتظهر النجوم، وحيث يتبعه النهار لتتوارى في نوره. وكان يعزى هذا التقلب للقوى الخارقة لكثير من الآلهة. فالسومريون كانوا بعتقدون أن الأرض هضبة تعلوها القبة السماوية، وتقوم فوق جدار مرتفع على أطرافها البعيدة، واعتبروا الأرض بانثيون هائل تسكن فوق جبل شاهق. والبابليون اعتقدوا أن المحيطات تسند الأرض والسماء، والأرض جوفاء تطفو فوق مياهها ومركزها بها مملكة الأموات.
لهذا أُلِّهت الشمس والقمر، وتصورت الحضارات القديمة أنهما يعبران قبة السماء فوق عربات تدخل من بوابة مشرق الشمس وتخرج من بوابة مغرب الشمس. وبنيت على أساس هذه المفاهيم اتجاهات المعابد الجنائزية. وكان قدماء المصريين يعتقدون أن الأرض مستطيل طويل يتوسطها نهر النيل الذي ينبع من نهر أعظم يجري حولها، تسبح فوقه النجوم الآلهة. بينما السماء ترتكز على جبال بأركان الكون الأربعة وتتدلى منها هذه النجوم. لهذا كان الإله رع يسير حول الأرض باستمرار، ليواجه الثعبان أبوبي (رمز قوى الظلام الشريرة) حتى يصبحا خلف الجبال جهة الغرب والتي ترفع السماء، وهناك يُهزَم رع ويسقط، فيحل الظلام. وفي الصباح ينتصر رع على هذه القوى الشريرة، ويستيقظ من جهة الشرق. بينما حورس إله القمر يسير بقاربه ليطوف حول العالم. وكان القمر يعتبر إحدى عينيه، ويلاحقه أعداؤه لفقئ هذه العين بإلقائها في النيل، وينجحون مجتمعين في هذه المهمة فيظلم الفمر. لكن الإله رع يهب لنجدة عين حورس (القمر)، ويعيدها لحورس. وكان الصينيون يعتبرون الأرض عربة ضخمة في أركانها أعمدة ترفع مظلة (السماء)، وبلاد الصين تقع في وسط هذه العربة، ويجري النهر السماوي (النهر الأصفر) من خلال عجلات العربة، ويقوم السيد الأعلى المهيمن على أقدار السماء والأرض بملازمة النجم القطبي بالشمال، بينما التنينات تفترس الشمس والقمر. لكن في القرن الثاني ق.م وضع الفلكي الصيني هياهونج نظرية السماء الكروية، حيث قال أن الكون بيضة والأرض صفارهاوقبة السماء الزرقاء بياضها.
والكلدانيون من خلال مراقبتهم لحركة الشمس ومواقع النجوم بالسماء وضعوا تقويمهم، واستطاعوا التنبؤ من خلال دورتي الشمس والقمر بحركتيهما، ممَّا مكنهم من وضع تقويم البروج، حيث ريطوا فيما بين الإنسان وأقداره. وأخضعوا فيها إخضاع حركات النجوم لمشيئة الآلهة. لهذا توأموا بين التنجيم والفلك. ومن خلال تقويم البروج تمكنوا من التنبؤ بكسوف الشمس وخسوف القمر، لكنهم لم يجدوا لهما تفسيراً. وكان تقويمهم يعتمد أساساً على السنين القمرية التي لم تكن تتوافق مع الفصول المناخية. وكان قدماء المصريين منذ 3,000 سنة ق.م قادرين على القيام بالرصد الفلكي وقياس الزمن وتحديده من خلال السنة والأشهر. وبنوا الأهرامات أضلاعها (وجوهها) متجهة للجهات الأربع الأصلية. ومن خلال هذا نجدهم قد حددوا الشمال الحقيقي. لكن الفلك الفرعوني لم يتهم به، على عكس بلاد الرافدين، ولا سيما بالدورة القمرية. واهتم الفراعنة بالشمس لأنها كانت ترمز للإله رع.