تاريخ الشرق الأوسط/تاريخ الأردن
الأردن بلد ضارب جذوره في التاريخ ، مرت عليه مدنيات وحضارات وممالك وكيانات عدة ومختلفة و كانت ساحاته مسرحا للتفاعل الحضاري البشري الإيجابي المستمر بدءا من أقدم فجر التاريخ المكتوب وصولا إلى الدولة الحديثة التي تمثل نموذجا ورمزا للحضارة والحرية والاستقلال والإنسانية.
لم يكن الأردن وليد صدفة أو حدث عابر ، ذلك لأنه كان ومنذ أقدم العصور مأهولا بالسكان بشكل متواصل. وتعاقبت عليه حضارات متعددة، وقد استقرت فيه الهجرات السامية التي أسست تجمعات حضارية مزدهرة في شماله وجنوبه وشرقه وغربه, ساعده على ذلك مناخه المتنوع وموقعه الذي يربط قارات العالم القديم فكان قناة للتجارة والمرور البشري بين شتى بقاع العالم.
ونظرا لهذا التواصل الحضاري ، فقد شهد الأردن توطن حضارات وقيام ممالك كبرى صبغت بقوتها تاريخ تلك الحقب ، ومن أبرزها المملكة المؤابية في جنوب الأردن بقيادة الملك يوشع ، ومملكة الأنباط العربية التي بسطت حكما واسعا على المنطقة الممتدة من بصرى الشام إلى مدائن صالح ، ويشكل شمال الأردن في ولاية عفرة ( الطيبة )، حاليا الركن الأساسي لتحالف المدن العشر اليونانية. وتظل المدن الأردنية بما تحمله من آثار ومواقع خير دليل على قدمها وضربها في أعماق التاريخ وأنها كانت موئلا لآباء البشرية . وبعد ذلك خضع الأردن للحكم الروماني الذي أغنى بحضارته المنطقة فكان الأردن جزءا لا يتجزأ من تلك الإمبراطورية القوية.
وفي فترة انتشار الحكم الإسلامي كان للأردن أهمية خاصة فهو بوابة الفتح للشام. وقد شهدت أرضه معارك مؤتة واليرموك وولاية عفرة . وروى الشهداء المسلمون الأوائل بدمائهم أرضه ، ولعب دورا هاما وأدى مساهمة حضارية كبيرة إبان ذلك العهد . وقد شهدت ساحاته العديد من الحوادث المفصلية والهامة ، فكان التحكيم بين أنصار علي بن أبى طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان قد جرى في مدينة اذرح في معان . أما الحميمة فمنها كانت انطلاقة الدعوة العباسية و استلام العباسيين الحكم بعد ذلك . وفي فترة الحكم الأموي والعباسي وما تلاهما كان للحكم الإسلامي موطئ قدم في الأردن . وأيام الحروب الصليبية ساهم الأردن بفعالية في نصرة المسلمين حيث كان يمثل منطقة وصل والتقاء بين مصر والشام . ويكفيه فخرا وجود أضرحة كوكبة من قادة المسلمين المشهورين وعلى رأسهم أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وضرار بن الازور في غور الأردن ، وجعفر بن أبي طالب وصحبه في ثرى مؤتة ، ناهيك عن قبور صحابة وقادة آخرين.
وحينما حكم العثمانيون المنطقة ابتداءً من عام 1516 م ، تنبهوا لأهمية الأردن ، فكان ممرا للقوافل ومنطقة ضرورية لتدعيم الحكم العثماني في الأجزاء الشمالية من إمبراطوريتهم.
لقد ظل الدور الحضاري والوجود الأردني على الساحة مستمرا ومتواصلا عبر التاريخ وخير دليل على ذلك الآثار والقصور والقلاع والأوابد التي تشهد بغنى الأردن الثقافي ودوره لهام عبر العصور.
وفي بداية القرن العشرين ولما تنامى الشعور القومي العربي وتفجرت اليقظة العربية ، كان الأردنيون روادا في ذلك شعبا وحكومات ورجالات . فقد شهدت أرض الأردن ثورات للتحرر أبرزها ثورة الكرك وثورة بني حميدة وثورة عشائر القرعان في ولاية عفرة . وظهرت الطورانية الداعية إلى عدم الاعتراف بالقومية العربية ،
وفي 11 نيسان 1921 تأسست أول حكومة أردنية برئاسة رشيد طليع وسميت مجلس النظار ، وقد كانت في حقيقة الأمر حكومة عربية أكثر منها أردنية لإيمان الأمير عبد الله العميق بالقومية العربية سبيلا للتحرر والاستقلال.
ولأن التحرر لا يكون إلا بالاستقلال الكامل ،فقد ناضل الأردن لنيلة و تحقق ذلك في 25 - 5- 1946، وأعلنت إمارة شرق الأردن مملكة وسميت المملكة الأردنية الهاشمية ونصب الأمير عبد الله ملكا عليها بالقوة بمساعدة الإنجليز ،وصدر الدستور الأردني الذي جاءت مواده متقدمة في مجال الحقوق المختلفة كما نص على إقامة برلمان يتكون من مجلسين وجرت بعده انتخابات برلمانية.
واثر صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وأخرى عربية ، وبعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 ،دخل الأردن رغم إمكانياته المتواضعة الحرب إلى جانب الدول العربية ، واستطاع أن يحافظ على القدس وعلى جزء كبير من أراضي الضفة الغربية من الضياع ، وسطر جنود الجيش العربي أروع الملاحم للحفاظ على القدس ، وسطر الأردن أنبل ما تكون نصرة الشقيق لشقيقة عبر استقباله لآلاف اللاجئين الفلسطينيين.
وحتى لا تبقى الضفة الغربية في فراغ سياسي يستغله الإسرائيليون ،وبناءا على رغبة جامحة من الشعب الفلسطيني ،أعلنت الوحدة الأردنية الفلسطينية بعد مؤتمر أريحا الذي جمع الزعماء الفلسطينيين والملك عبد الله وكان ذلك عام 1950 . وفي العام التالي امتدت يد الغدر وفي مؤامرة دنيئة إلى صانع انجح وحدة عربية الملك عبد الله الأول أثناء دخوله بوابة المسجد الأقصى لصلاة يوم الجمعة.
وفي عام 1951 خلف الأمير طلال والده في الحكم وأنجز مشروع الدستور المعدل ليصدر عام 1952 دستور الوحدة وهو الدستور الذي ينبع من القيم الإسلامية والمبادئ الديمقراطية المعمول بها في دول العالم المتحضرة ، وبناءا عليه توالى إجراء عقد الانتخابات في الضفتين وترسخت مبادئ الديمقراطية والوحدة.
ولان المرض لم يسعف الملك طلال ولم يمكنه من الاستمرار في الحكم نودي بجلالة الملك الحسين ملكا على الأردن ، وحينما أتم الثامنة عشر من عمره تولى سلطاته الدستورية في 11- آب - 1953 ليقود المسيرة الأردنية وليبني صرحا حضاريا قوامه الوحدة الوطنية ودولة القانون والمؤسسات المدنية الحديثة ويرسخ الانتماء للأمة العربية.
وفي هذه الفترة كانت تعصف بالمنطقة العربية أحداث جسام استطاع الأردن التكيف معها وتجاوزها بسلام . ففي عام 1956 وقف الأردن إلى جانب أشقائه في مصر لصد العدوان الثلاثي و أبدى استعداده للدفاع الميداني وبكافة السبل عن الشقيقة مصر . وفي نفس العام أصدر جلالة الملك الحسين قراره الشجاع بتعريب الجيش الأردني حيث تم الاستغناء عن خدمات قائد الجيش كلوب وتسليم القيادة إلى ضباط أردنيين ، وكان لهذا القرار صدى إيجابي في العالم العربي وأثر في مسيرتهم نحو التحرر والاستقلال.
وفي فترة الستينات ظل الأردن يمارس دوره الطبيعي في الدفاع عن الأشقاء الفلسطينيين ، حتى جاء عام 1967 وحرب الأيام الستة التي احتلت خلالها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري . ورغم تحذيرات الأردن للأشقاء العرب بعدم دخول الحرب نظرا لعدم الاستعداد الكافي لها ، إلا أنهم دخلوها وخسروا ما خسروه ، واحتضن الأردن مئات الآلاف من النازحين واواهم وعاملهم كمواطنين لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم.
ومنذ عام 1967 استمر الأردن بالكفاح المسلح ضد إسرائيل وهو الذي يقع على أطول خط مواجهة معها ، وفي 21 آذار عام 1968 وحينما عبرت القوات الإسرائيلية الحدود الأردنية لاحتلال المرتفعات الشرقية فيه تصدت لها القوات الأردنية ببسالة وردتها خائبة، وكانت معركة الكرامة.
ولان الأردن لا يضيع أية فرصة لنصرة أشقائه العرب فقد دخل حرب 1973 ، وتوجهت قواته إلى الأراضي السورية وكان لها دور مميز في حماية قطاعات الجيش السوري وتقديم الإسناد اللازم لها.
وفي مؤتمر قمة الرباط عام 1974 وافق الأردن على أن تصبح منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وفي عقد الثمانينات احتضن الأردن قمتين عربيتين هامتين الأولى عام 1980 ومنها انطلق العمل العربي الاقتصادي المشترك ، والثانية عام 1987 وهي التي عملت على إعادة رص الصفوف العربية.
وعام 1988 وحتى يتمكن الأشقاء الفلسطينيون من التحرك بسهوله وحفاظا على قرارهم المستقل أعلن جلالة الملك الحسين قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية دون أن يمس ذلك الدور الأردني في الدفاع عنها ورعاية شؤونها وتلبية متطلبات أهلها .
وفي نهاية عقد الثمانينات واجه الأردن مشكلة اقتصادية صعبة استطاع من خلال الخطط الناجحة والبرامج الاقتصادية المتتالية أن يتجاوزها نحو اقتصاد حر رحب قادر على استقطاب الاستثمارات والأموال الخارجية ، وهو الاقتصاد الذي يسعى إلى التكامل مع اقتصاديات الأشقاء العرب والانفتاح على الاقتصاد العالمي .
وفي عام 1989 استؤنفت الحياة البرلمانية الأردنية حيث انتخب الأردنيون برلمانهم الذي أعاد إلى الحياة السياسية نشاطها من جديد. واقر هذا البرلمان العديد من القوانين التي تعزز النهج الديمقراطي. ولم تنقطع الحياة البرلمانية منذ ذلك الوقت حيث توالى إجراء الانتخابات النيابية بمشاركة كافة الأطياف والتيارات السياسية وفي جو ديمقراطي حقيقي يسمح بالتعددية السياسية وحرية التعبير والمشاركة السياسية ومخاطبة السلطات .
وانطلاقا من ثوابته ومبادئه فقد أعلن الأردن حين دخلت القوات العراقية إلى الكويت في 2/8/1990 رفضه لهذا الإجراء و دعا إلى انسحاب القوات العراقية وإيجاد حل سلمي عربي للازمة . وكان أن تأذى كثيرا من هذه الحرب فوفد إليه مئات الآلاف من الأردنيين والفلسطينيين المقيمين في الخليج الذين احتظنتهم الكويت ووفرت لهم دخولات عالية، وعاش الأردن مرحلة صعبة تخللها في بعض الأحايين سوء الفهم من قبل بعض الأشقاء العرب ، لكنه أبى إلا أن يتجاوز الخلافات، وتحقق له ذلك بفعل التحركات المكثفة لقيادته الحكيمة.
ولإيمانه بان السلام الشامل والعادل هو طريق إعادة الحقوق العربية ، وبعد موافقة الدول العربية شارك الأردن بمؤتمر مدريد عام 1991، بعد أن وفر المظلة للوفد الفلسطيني. وبعد أن سار الأشقاء الفلسطينيون في دربهم الذي اختطوه وبعد أن وقعوا اتفاقية أوسلو مع الجانب الإسرائيلي عقد الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994 وهي المعاهدة التي أعادت الحقوق الأردنية في الأرض والماء ووأدت أفكار الوطن البديل ورسمت الحدود النهائية الواضحة للدولة الأردنية مع إسرائيل.
وقد وظف الأردن تلك المعاهدة لخدمة الأشقاء الفلسطينيين والعرب في المطالبة بحقوقهم ووظفها في سبيل تحقيق السلام العادل ، ووفرت له منطلقا للدفاع عن القضايا العربية التي لم يأل جهدا للدفاع عنها ،ويشهد على ذلك حرصه المستمر على رفع الحصار عن الشعب العراقي والتأكيد على وحدة وسلامة أراضيه ورفض أي عدوان عليه .
وكان عام 1999 عام الحزن وعام الأمل عند الأردنيين ، ففي السابع من شباط من ذلك العام فقد الأردنيون باني دولتهم الحديثة أعظم الرجال وأشجع الفرسان جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال . وانتقلت الراية الهاشمية المعطاءة إلى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ليواصل المسيرة الأردنية في تحقيق منعة الدولة واستقرارها و أمنها ونموها وتطورها ، وتحقيق التضامن العربي وإعادة الحقوق إلى أصحابها ورفض المساس بأي شقيق عربي ، وتجسد ذلك باحتضان الأردن لأول قمة عربية دورية عام2001.
هناك ملفات عن History of Jordan في ويكيميديا كومنز. |