الكون الأعظم/لغة الكون
ظهرت الدنيا ك ذرة مدمجة ومنضغطة فريدة ويتيمة و متناهية الصغر. كما ظهرت الحياة لاحقا بعد بلايين السنين من عمر الكون كجزيء( دنا ) في خلية حية إنقسمت وتشكلت لتخرج منها بلايينالبلايين من الأحياء حاملة شفراتها الوراثية في بلايين البلايين من جزيئات الدنا.وهذه الذرة الأولي تعادل كتلتها كتلة الكون الماثل أمام ناظرينا. بمجراته الهائلة ونجومه العملاقة وسدمه الممتدة وطاقته الكونية الكامنة في أفلاكه .وعندما كان عمر الكون جزءا من ألف جزء من الثانية كان كل شيء فيه رغم تناهيه معتصرا وفي حجم ذرة.
ومنذ سبعين عاماً تحول علم الكون من مجرد نظريات وفرضيات إلي منظور بصري مثير بعد فك شفرة لغته وقراءة ملف تطوره عندما كان الزمن صفرا وعندما أخذ يشكل هيئته في أعقاب الإنفجار الكبير .وقيل أن الزمن كما يفترضه العلماء قد بدأ لحظة بداية هذا الإنفجار إلا أننا نجده في الواقع قد بدأ منذ إنبلاج الذ رة الكونية الأولي من العدم حيث كانت فيه معدومة .لهذا نجد العلماء قد أسقطوا الزمن الذي كانت فيه هذه الذرة واعتبروه نسيا منسيا من زمن عمر الكون الذي قدروه 15 بليون سنة ضوئية منذ واقعة الإنفجار الكبير. مما يجعله زمنا منقوصا وغير حقيقي حيث إرتضاه العلماء علي عواهنه . لكن الزمان يضم العدم والوجود وهذا مايطلق عليه الفلاسفة الزمن السرمدي. وزمن الكون جزء لاحق فيه. والعدم ميتافيزيقي لايعرف كنهه. والوجود حقيقي متمثلا في الكون وهذا مايعرف بالفيزياء أو الطبيعة الفلك).
ونظرتنا للكون قديما وحديثا نجدها في فكر عالمين أحدهما سلفي والثاني معاصر. وكلاهما قد حدثنا عن نشوئه وإرتقائه وتحيزه وتقوسه وبدايته ووحدته . و هماالعالم الأندلسي أبوبكر بن طفيل الذي ولد عام 1106م/500هجرية والعالم الريطاني مارتن ريز مدير معهد الفلك بجامعة كمبريدج.وكان ابن طفيل قد اشتهر بقصته الفلسفية (حي بن يقظان)التي سبق ظهورها عصر النهضة بأوروبا وعصور كوبرنيق وجاليليو ونيوتن وإينشتين وديراك وهبل وغيرهم من أقطاب الفلك الحديث. فلقد حدثنا ابن طفيل عن (البعد الثالث) بالكون وسماه الأقطار الثلاثة بالسماء وحددها بالطول والعرض والعمق. وكيف يعتقد أنها ممتدة إلي مالانهاية . إلا أنه أكد علي تحيز الكون قائلا: جسما لانهاية له باطل لأن الفلك (الكون) علي شكل كرة .وهذا ما أطلق عليه إينشتين فيما بعد التقوس الكوني وتحيزه حيث اعتبر الكون كتلة متقوسة( سماها ابن طفيل كرة في فضاء متسع يتمدد فيه وكل مايقاس فيه يتم من داخل وجودنا به. ورغم هذا لانري حافته أو حدوده . والعلماء حتي الآن لايعرفون مركز تمدده.
إلا أن ابن طفيل نراه يتساءل قائلا: هل السماء ممتدة إلي غير نهاية ؟. أو هي متناهية محدودة بحدود تتقطع عندها ولايمكن أن يكون وراءها شيء من الإمتداد ؟.وكانت نظرية التمدد الكوني ثورة فلكية عندما طالعنا إدوين هبل عام 1920 بها . لأنها قلبت مفهوم العلم عن الكون إلا أن ابن طفيل سبقه فيها منذ ثمانية قرون عندما أشار إليها .فللقد حدثنا عن (التمدد الكوني ) وإنتفاخ الكون قائلا: الأجسام السماوية تتحرك حول الوسط بالمكان( الفضاء)ولو تحركت في الوضع ( المركز) علي نفسها أصبحت كروية الشكل. وحدثنا ابن طفيل فيما حدثنا به عن منظومة (وحدة الكون) قائلا: إن الفلك (الكون) بجملته وما يحتوي عليه من ضروب الأفلاك شيء واحد متصل ببعضه بعض كشخص واحد . كما حدثنا عن( نشوء الكون) قائلا : أن العالم (الكون) لايمكن أن يخرج إلي الوجود بنفسه ولابد له من فاعل (محدث) يخرجه إليه. وكان العدم والوجود من الأمور المثارة في علم الكلام ولاسيما لدي المعتزلة بالعصر العباسي حيث كانوا يبحثون في مسألة الخلق والقدم والحداثة للكون.
وإذا كان آينشتين وغيره من العلماء قد ظلوا في "حيص بيصٍ" حول تعريفهم للزمان ككل وقصروه علي زمن عمر الكون منذ الإنفجار الكبير . لكن ابن طفيل نجده يقول عنه : هل هو شيء حدث بعد أن لم يكن وخرج إلي الوجود بعد العدم؟ أو كان موجوداً فيما سلف ولم يسبقه العدم ؟.إلا أنه لم يترجح أحد الحكمين . إلا أنه اعتبر الزمان من جملة العالم وغير منفك عنه علي حد قوله.
وعلى صعيد آخر نجد العالم البريطاني (ريز) يقول :قبل مائة عام لم يكن العلماء يعرفون لماذا تسطع النجوم؟ أو ماذا وراء مجرة التبانة التي نعيش بداخلها؟.وعندما تعرفوا مؤخرا علي الأشعة الكونية التي خلفها الانفجار الكبير بالكون أطلقوا علي هذه الحقبة ما بعد انبلاج (توهج) الكون. مما جعلهم يدرسون باكورته حيث إكتشفوا فيها الكوازارات والنابضات الأولى. ومما سهل اكتشافاتهم ظهور المركبات والمسابر الفضائية والتلسكوبات العملاقة فوق الأرض أو بالفضاء فأطالوا في بعد نظرهم و رؤية إبصارهم. وهذه الاكتشافات جعلت علوم الكونيات واقعا متسلسلا منذ عام 1960 ولا سيما بعدما حصل العلماء علي صور فورية للكون المترامي عن بدايات تكوينه مما أعطاهم بعدا وفهما جديدين له عندما أظهرت هذه الصور شطئان كوننا. فأصبحت الشواهد علي حدوث الإنفجار الكبير تماثل الشواهد المثبتة حول تاريخ بداية تكوين الأرض. وأن الأحوال الكونية التي تولدت بعد ثانية من الإنفجار الكبير لم تكن أكثر مما عليه في قلب نجم معاصر . ورغم هذا لاتزداد تعقيدا عن فهمنا لكائن حي موجود حالياً. لأن أي نجم مهما عظم فهو بلاتعقيدات كيماوية بداخله عكس ماهو حادث في جسم أي كائن حي. حتي ولو كان خلية واحدة لا نراها بالعين المجردة.
وقال: أن في جزء من الثانية الأولي من الإنفجار الكبير ظهرت قوانين الطبيعة الفيزياء). وظلت علي ماهي عليها حتي الآن.وفي الجزء الأول من ألف جزء من الثانية ظهر العدد 6والذي ظل السمة الأساسية لوصف الكون وهيئته . لأن هذا العدد يصف كل الأشياء في الكون بدءا بالضفادع في حدائقنا أوالمستعر الأعظم في المجرات البعيدة. فكلها يحكمها ستةأعداد نطلق عليها ثوابت الطبيعة التي تتحكم في منظومة الكون ووجوده.ولو تبدل أو اختلف عدد منها لما كان الكون علي هيئته حاليا . ولما ظهرت الحياة فيه. فهو الآن متوازن علي حافة سكين مما جعل الحياة فوق الأرض محتملة نسبيا . لأن هذه الأعداد الستة ظهرت بالكون بمنتهي الدقة مما جعلنا مفرزة لنظام غير متشابه بل ومذهل . وهذا يؤكد عظمة الخالق سبحانه. ولما كان لنا وجود الآن . و حدثنا عن الحياة واعتبر ظهورها كان نتيجة أحوال توفيقية بالكون إلا أنها حاليا في مقبرة جماعية خطيرة . لأن ثمة إحتمال 50%بأننا سندمر أنفسنا خلال هذا القرن .لأن الأرض كما يعتقد(ريز) هي المكان الوحيد الذي قامت فيه الحياة الذ كية . لأن وجود ثمة حياة معقدة أو حتي بسيطة في أي مكان آخر بالكون .. فإنها بلا شك ستكون مختلفة عن سمة الحياة فوق كوكبنا . ولو كانت الحياة الأخرى نادرة هناك .. فهذا سيضفي علي أرضنا أهمية كونية متميزة.
وقال: أننا سندمر الحياة الذكية الوحيدة في هذا الكون المتسع. وهذا ما جعل علماء الأحياء يطالبون بنشر أنفسنا في مجر تنا وما وراءها . لهذا المسابر والمركبات الفضائية تجوب بالفضاء للتفتيش علي أماكن تصلح لإنشاء وتكوين مجتمعات إدخارية للأحياء في أكبر عملية إنقاذ لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية والأرض ( بعد طوفان نوح وسفينته) . وهذه المجتمعات ستكون( محميات طبيعية حيائية) فضائية للبشر وبقية الأجناس الحية للحفاظ فيها علي التنوع الحيوي بعيدا عن الأرض الموبؤة حاليا .ففي هذا القرن سيكون لدينا التكنولوجيا لتحقيق عمليات الإنتشار الإحيائي فيما وراء كوكبنا . ومما سيسهل التاكثر الحيوي الفضائي مستقبلا إزدهار الإستنساخ واختراع الأرحام الصناعية البديل للأمهات .ليتم التلقيح والحمل الفضائي ومن خلال تجميد السوائل المنوية والبو يضات الأنثوية.
وفي تعليقه على بداية الكون قال (ريز): مهما أوتينا من علم إلا أن علماءنا لايستطيعون فهم مادار في الجزء الأول من ألف جزء من الثانية الأولي من عمر الكون .وفهمنا لقوانين هذا الزمن المتناه أكبر تحد لعلماء هذا القرن . لكنه أغفل نظرية الفيمتو ثانية التي إكتشفها العالم المصري أحمد زويل والتي صورت التفاعلات الكيماوية في زمن الفيمتوثانية والتي ستقود العلماء بلا شك للتعرف علي هذه اللحظة المتدنية من الزمن في بداية الانفجار الكبير للكون. وفي سياق حديثه نجده ركز علي أهمية علم نظرية الطبيعة الموحدة. واعتبره علما سيحسم الإحتدام الجدلي حول نظرية الجاذبية الكونية في القرن 21. كما أوردها إينشتين عندما وصف كيفية تكوين النجوم والكواكب . وهل ستؤدي إلي التعرف علي وجود كون آخرغير كوننا تحكمه قوانين طبيعية غيرقوانيننا الكونية المتعارف عليها.
وإلى عهد قريب كان الكون بمثابة حجر رشيد بمجراته ونجومه وطاقته الكونية حتي إكتشفت لغته حيث من خلال الضوء الأحمر وإنزياحه في المجرات والنجوم إستطاع العلماء اكتشاف تمدد الكون وتسارعه. واكتشفوا أيضا شدة توهج مستعراته الكبري القريبة والبعيدة. كمااستطاعوا تحديد أعمار النجوم القديمة والحديثة فيه واكتشاف تقوس الضوء حول الكتل البعيدة وتذبذب الإشعاعات. ورغم هذه المعطيات الكونية إلا أنهم رغم اكتشافهم للغة الكون فهم مازالوا يعتبرونه مصدر الحرارية عبر السماء. حيث أصبح كوننا الساخن بحرا من هذه الإشعاعات. وارتضي العلماء بكل لغز محير لهم.
وأبجدية لغة الكون نجدها في إزاحة أطياف المجرات والنجوم للون الأحمر وموجات الجاذبية في الخلفية الميكروويفية للكون والأشعة الباردة التي مازالت تتخلل به طوال وجوده. والآن مهمة المسبر الأمريكي (ماب)حاليا وهو يدور علي بعد مليون ونصف كيلومتر فيما وراء محيط الأرض لإجراء مسح شامل لموجات الأشعة الميكروويفية الخلفية الكونية ولرسم خريطة جديثة للكون لحظة ميلاده والتعرف علي تاريخه وهندسة تكوينه وقتها. وسيتم هذا من خلال قياس أجهزة المسبر للتفاوت في حرارة الأجزاء المختلفة بالكون ولاسيما بالبقع الساخنة والباردة فيه.
والكون بعد 500 ألف سنة كان حساءً ساخناً وكان كثيفاً بالبروتونات والإلكترونات، حيث ظهرت في جعباتها موجات الجاذبية الكونية. لهذا سترسل وكالة الفضاء الأوربية مسباراً عام 2007 ضمن مهمة قياس شدة هذه الموجات والتعرف على مصدرها، ولا سيما وأنها ترحل بالكون بلا عوائق حتى في الأجسام المعتمة فيه.