الفلسفة/الأخلاق/الأزمنة القديمة/أخلاق افلاطون
الأخلاق الأفلاطونية هي المثال الأول في الفكر الغربي للأخلاقيات المبنية على أساس العلوية ولكنها تشكل من بعض نواحيها مع ذلك تركيبا من التأثيرات السابقة كما يتضح فيما يلي :
عن الفيثاغورثيين
أقتبست الأخلاق الأفلاطونية عن الفيثاغورثيين كما يبدو فكرة أن النظام الإلهي الذي يهيمن على الكون ذو طبيعة رياضية ، وأن الروح حبيسة في سجن هو الجسد فلا تستطيع منه فكاكا ( ذلك بعد تقمصات عديدة كما يؤكد الفيثاغورثيون) إلا عن طريق قاعدة للحياة منسجمة مع هذا النظام قوامها الطهارة والتنسك واحترام التضامن (المتناسق) الذي يوحد بين الكائنات وكذلك ضبط النفس والعدالة ، أي كل الفضائل التي يمكن تحديدها ضمن نطاق العلاقات, فالعدالة هي المساواة ، والإعتدال هو القياس إلخ .
عن سقراط
سقراط الذي لا نعرفه إلا من خلال (المحاورات) الأفلاطونية فقد اقتبس منه افلاطون دون ريب فكرة أن الأخلاق علم ومن الممكن تعليمه ، وذلك أولا = لأن الإرادة مستقيمة دائما عندما تكون مستنيرة ( هذا تاكيد محفوف بالشك ) ، وثانيا = لأن الخير هو مجموع القضايا التي تحقق التوفيق بين المرء ونفسه من ناحية وبينه وبين الآخرين من ناحية أخرى وهي قضايا عامة وبالتالي شبيهه بقضايا العلم ، وما تهدف إلي الديالكتيكية السقراطية ( أي فن توليد العقول الشهير لدى سقراط) هو استخراجها عن طريق جهد تأملي جماعي وودي منصب على المفاهيم المقبولة من المجتمع بوجه عام ... هذه المفاهيم الجزئية والمتناقضة غالبا فيما بينها . وهكذا فحسب يمكن عن طريق النقد العقلاني للآراء اكتشاف ( القوانين غير المكتوبة ) الكلية والملزمة أي النظام الألهي . وقد عرف افلاطون كيف يوسع مجددا مدى هذه الاتجاهات الأخلاقية وذلك عن طريق اسنادها إلى ميتافيزياء عامة أو بالأحرى عن طريق استخلاص المبادئ الميتافيزيائية التي تفترضها هذه الاتجاهات ، وهذا مصدر مفهومه عن الكون ككل منسجم تهيمن عليه (سماء) من المثل الخالصة غير المخلوقة وغير القابلة للتغير ، وليس العالم المحسوس إلا تدنيا لهذه المثل منقوص وفان ، أما الروح البشرية فهي من اصل إلهي ، وقد عرفت (في السابق) نظام الجواهر هذا ثم انحطت إلى الجسم المادي الذي يحيطها بالعتمة ويزيفها ، وهي تحتفظ بالحنين إلى ذلك النظام ، وهكذا فإن طريق السعادة والحكمة واضح إذن كل الوضوح أمامها ويقوم على نبذ المظاهر المحسوسة والفوضى المادية والجسدية ، لأجل العودة بالروح إلى طبيعتها الأصيلة ، وتحقيق السيادة ( في داخل الروح وفي المجتمع) للفضيلة ، التي هي ليست سوى صورة المقاييس العلوية المتمركزة حول مثال ( بالمعنى الأفلاطوني) للخير والتي ينظمها مثال العدالة . ويتم هذا (الهرب) الذي يقود إلى ( تقليد للإله) أي إلى الخير عن طريق سبر عقلاني بحت فهو يبدأ بجدل القلب والنفس ثم الجهد العقلاني للتخلص من ربقة العالم المحسوس ، هذا الجهد الذي ينتقل بالروح من حقائق ناقصة إلى حقائق أكثر كمالا حتى يقودها إلى حالة من التوازن الداخلي والوحدة أي بالتالي السعادة بل لعله قد يتيح لها أن تنظم بعد الموت خالدة إلى (عالم المُثُل) ، ويعني ذلك بصورة عملية أن يحقق المرء في نفسه أولا ثم في الجموعة تناسقا "متناسبا" مستوحى من النظام الذي يكشفه الجدل العقلي( الديالكتيك) كما يلي : لما كانت الروح مركبة من ثلاثة عناصر ( الشهوات الفجة, الهوى الكريم لكن العنيف, العقل ) فإن الإنسان الفاضل يدخل إليها - شبيها في ذلك بالموسيقى - توازنا صحيحا ، وهكذا فإن الحوذي (العقل) يكبح جماح "حصان الهوى" الأبيض ويستخدمه كمساعد له ضد "حصان الرغبات الأسود" ، هذا التوفيق صعب يتطلب توترا مستمرا ولا يسمح بأية تسويات ، يشير افلاطون إلى فضيلة التكفير والعقوبة ، أما إذا اختل التوازن فإن إعادة النظام تستوجب الشدة بالنسبة إلينا وإلى الآخرين - كما تستوجب إعادة الصحة المختلة الكي والبتر (غورجياس) كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع حيث يجب اخضاع العدد الغفير لنظام وحيد ، مما نجمت عنه " الأوثوبيا" الشهيرة التي بحثت في الجمهورية .... أي ذلك التنظيم الاجتماعي الصارم الذي تتسلسل فيه طبقات ثلاث صعودا ( الصناع والمحاربون والحكام) ويسوده مبدأ جماعي يميل إلى إلغاء أية نزعة إلى الفردية الأنانية لدى المشتركين في المجموعة ، وهذا نوع من " الطغيان الفلسفي" بحسب جانيه وسياي ، يهدف إلى إقامة انعكاس على الأرض للعدالة "الرياضية" التي تسود العالم المثالي ، بحيث يتجلى هذا الانعكاس بصورة ولاء شمولي للدولة ( يخفف افلاطون في "القوانين" من صلابة اخلاقه الاجتماعية النظرية اخذا بعين الاعتبار الطبيعة البشرية العملية الناقصة ) .