انتقل إلى المحتوى

التربية الفنية برؤية معاصرة

من ويكي الكتب

بقلم:د.محسن عطيه

من المحتمل أن ما يجعل دروس تاريخ الفن تبدو جافة وباهتة أحيانا بالنسبة لطلاب التربية الفنية ، هو اقتصار العملية التعليمية على قاعات المحاضرات المظلمة. ولو أراد معلم التربية الفنية أن يمنح طريقة تدريسة لمادة تاريخ الفن قدراً من الجاذبية، فعليه أن يتبع نهجاً أكثر جاذبية، يثير الشغف والتحمس للإستكشاف ويجذب العقول. وقد يضيف المعلم لدرسه القليل من الدراما لجعله لا يُنسى قدر الإمكان. وقطعاً لدي الطلاب اهتمامات متنوعة، ولحسن الحظ أن أن الفن كذلك متنوع، وبوسع كل طالب أن يعثر على الفنان الذي يحظى بإعجابه. وعلى الموضوع الذي يشبع شغفه ويثيراهتمامه، فيشارك أعمال الفنان الذي يدرسه ويجعله ملهما لإبداعاته الفنية ومشجعأ لها. ويمكن تطوير الطريقة بمنح الطلاب الفرصة لإعادة صياغة عمل فني مشهور. مثل لوحة" الموناليزا " (1593)للفنان الإيطالي "ليوناردو دافنشي" (1452-1519)، ويمكن إنتاج تخطيطات مبسطة لنفس العمل الفني، كطريقة لتسهيل فهم ما يراه الطلاب منها. وقد بفيد أيضاً إعادة اختراع العمل الفني بلمسة عصرية، بتغيير عناصره، أو بإضافة عناصر جديدة، بشرط الحفاظ على التركيبة الرئيسية، بحيث يظل من الممكن التعرف على الشكل الأصلي للعمل الفني.

الموناليزا- ليزناردو دافنشي 1503

وحتى لا تبدو دروس تاريخ الفن جافة، يمكن للمدرس الاستفادة في تدريسها من تنوع الحقب التي مر بها الفن منذ نشأته في عصرالكهوف وحتى اليوم. ولفهم فنون الثقافات والفترات الزمنية دروس تاريخ الفن، يمكن نعزيزها بربطها بقصص الأساطير المتنوعة الخاصة بكل ثقافة. ولكي يضمن تحقيق مستوى أعلى من المشاركة والتفاعل، بل ولزيادة الاستمتاع بمثل هذه الدروس التي تتعلق بفنون ثقافات ماقبل التاريخ مثل الرسوم الصخرية بالجلف الكبير، في الصحراء الغربية في مصر(صحراء العوينات- محافظة الوادي الجديد) يمكن مقارنة هذه الرسوم برسوم فنانين معاصرين، حتى يكتشف الطالب إمكانية إعادة صياغة الأساليب الفنية القديمة وظهورها مرة أخرى بصيغة عصرية، مثلما حدث في تجربة الفنان المصري الحديث "حامد ندا"(1924-1990). فبمقارنة رسوم ثقافة ماقبل التاريخ ( ترجع إلى 10,000 سنة مضت) برسوم فنان حديث تعود إلى ثمانينيات القرن العشرين، يقترب معنى الفن أكثر إلى فهم الطالب، ويندمج تفكيره فى صميم الموضوعات التي يدرسها، فلا تبقى الأفكارمجردة، بل تتحول إلى معان ودلالات يمكن استيعابها بطريقة مشوقة.

الرسوم الصخرية بالجلف الكبير

وكان الفنان الفرنسي"بول جوجان " (1848-1903) عندما سئل عن سبب ذهابه إلى تاهيتي تلك الأرض العذراء البدائية والبسيطة؛ قد أجاب "لكي ننتج شيئًا جديدًا، يجب أن نعود إلى المصدر الأصلي، إلى طفولة البشرية(1) وهذا السرد مفيد لفهم ما الذي يبحث عنه الفنان . أما الإطالة في السرد فعادة لا يقبل الطلاب على دروس تاريخ الفن التي تعتمد على مثل هذا النوع من السرد التاريخي ، وبدلا من ذلك هناك من الطرق الحيوية التي تخلق جو من المشاركة و تحول درس تاريخ الفن إلى مصدر إلهام لأعمال فنية رائعة. خلق المشاركة. مثلما كانت دراسة الفنان الفرنسي"بول جوجان " (1848-1903) لعمل من الفن المصري القديم، وهو رسم" المأدبة" في مفبرة "نب أمون" (كاتب إحصاء الحبوب في معابد طيبة،الأسرة 18) تردد على مشاهدته الفنان في المتحف البريطانى بلندن. وقد استلهم " جوجان" من دراسته لعمل من تاريخ الفن المصري القيم، فكرة تحقيق رغبته في التحرر من القيود الأكاديمية ، التي تشترط الظلال للتجسيم ، وعثر على النموذج لاستخدام الألوان في حالتها النقية وعلى استعمال الخطوط التي تحيط بالأشكال بوضوح وتأكيد، بل عثر في الأسلوب المصرى القديم على ما يلبي قناعاته الجمالية حول استخدام اللون ليس لقدرته على تقليد الطبيعة ولكن لصفاته العاطفية. غير أن "جوجان" حافظ على التقنية التي تتفق مع أسلوبه التوليفي الجديد، الذي أساسه الخطوط المحيطية بانحناءاتها الإيقاعية، وهي تؤطرالأشكال. وتدعم لوحة "لن نذهب إلى السوق اليوم" (1892) لـ "جوجان" فكرة الحوار بين الثقافتين ( المصرية والأوروبية) مما يتضح في وضعية جلوس الأشخاص بتسلسل في محاذاة بعضهم البعض في لوحة "جوجان"، وبالكاد متداخلين. كذلك في جمع الشكل بين الجهتين- الأمامية والجانبية، مما يشبه ، مما يشبه مشهد" المأدبة" بمقبرة "نب أمون". هكذا فإن الإعداد للمستقبل يفترض أن ينظر مدرس تاريخ الفن إلى أبعد من محاضرة أو ندوة تاريخ الفن المألوفة. بحيث يشتمل الدرس على أكثر من مجرد النظر، لتبدأ مرحلة التفكير فيما يرى. وهنا تأتي أهمية التقنيات الجديدة،التي تفيد تجاوز مرحلة عرض الصور لشرح معناها، من أجل التحول من الثقافة المطبوعة إلى ثقافة الصور.

بول جوجان- لن نذهب اليوم للسوق

وإذا كانت الطريقة التقليدية لتدريس "تاريخ الفن" تهدف إلى تقديم المعرفة حول مراحل فنية معينة، دون التعرض لسياقات العالم الحقيقي، فإن النموذج البديل هو تعزيزالإبداع والابتكارمن خلال دروس تاريخ الفن، والتوصل إلى فهم ومناقشة مسائل متعلقة بالتفكيرالإبداعي، وربط مبادئ واستراتيجيات الإبداع بأمثلة من تاريخ الفن، وإمكانية تطبيقها في الزمن الحاضر، بغرض تنمية مهارات التفكيرالابداعي. ومن الأمثلة التاريخية التي يمكن أن تدعم فهم الطلاب للعلاقة بين أعمال الفن والإبداع ، لوحة"هنري ماتيس" (طبيعة صامتة إشبيلية) التي رسمها سنة 1911، على أساس أن الإبداع يتحقق عندما يتوصل الفنان في عمله الفني إلي "التعبيرعن ذاته" ويجسد المعنى الذي يعكس رؤيته الشخصية، مما يجعل عمله الفني فريدًا. ويتمثل الإبداع في لوحة "ماتيس" (طبيعة صامتة إشبيلية) في جعل "إيماءات الصدفة" و"عدم الاكتمال" في اللوحة مصدرا لتحقيق التأثيرالجمالي للوحة. حتى كادت تبدو بعض المناطق في اللوحة تقترب من الفوضى، بينما تبدو المناطق الأخرى تزدهر بالضوء الشديد وبتباين الألوان، بطريقة غامضة. وقد رسم الفنان السجادة الإسبانية لتغطي نصف الأريكة في اللوحة ، وبطريقة غير تقليدية، مساحة كبيرة ثنائية الأبعاد من اللوحة، وكأن الفنان أعاد اختراعها لتظهرمشابهة للنقوش النباتية الإسلامية، إلا أنها ليست زخرفية بالكامل، لأن الوحدات لا تتكررعلى نحو منتظم بل تظهرالفراغات بين كل وحدة وأخرى غير متشابهة ومتشابكة بطريقة متعمدة، في مقابل رسم النصف الآخر وفقًا للقواعد التقليدية للمنظور وبطريقة تعطي التأثير بالعمق. وكان " ماتيس" بتعمقه في دراسة الفن الشرقي قد" توصل إلى نتيجة مفادها أنه بالتخلي عن التمثيل الحرفي، يمكن الوصول نحو المثل الأعلى للجمال."(2).هكذا انتج "ماتيس" عملاً فنياً حديثاً ومبتكراً في جوهره، بقدر ممارسته لنوع من التفكيرالإبداعي، لأنه نقدي في جوهره، حيث لم يلتزم فيه بالتقليد الغربي للرسم، أي لم يتبع القواعد التقليدية للرسم، وإنما مارس تجربة جديدة، تفترض أن "عدم الاكتمال" يمكن أن يحقق التأثيرالجمالي. هكذا يتمثل الابتكار في لوحة "طبيعة صامتة إشبيلية" في بنائها الذي هو ليس مجرد "زخرفي" بشكل محدد، إنما قد غمره الفنان بشعوره بالقلق الفضولي. وبقدر ممارسة مهارات التفكيرالنقدي من خلال دروس تاريخ الفن، سوف تتطور مهارات التفكيرالإبداعي مما يجعلها تاريخ الفن أكثر أهمية. حيث يعتبرالإبداع السمة المركزية للتعليم والمفتاح الدافع لتحسين وتطويرالعملية التعليمية.

وما ينقذ دروس تاريخ الفن من الرتابة ويمنحها القدرة على إثارة شغف الطلاب وتحمسهم للاستكشاف ويجذب عقولهم ، هو إدراكهم لحقيقة أن للتفكير طرق عديدة، وأن تفسيرمعنى أي عمل فني يحتمل وجهات نظر مختلفة، وأحيانًا متضاربة إلى حد كبير. أما لوحة "مقهى الشرفة في الليل"، التي رسمها "فان جوخ" سنة 1888، فيمكن تناولها كمنظرخارجي ملون خلاب، والاستمتاع بسحره، وبكثافة اللون، وكذلك بالطريقة الإبداعية التي تجاورت بها الأشكال غير المنتظمة، حتى تآلفت مع بعضها البعض مثل تصميم كولاجي، وتقابل اللون الأصفر للمقهى مع اللون الأزرق والأسود للشارع البعيد والسماء الزرقاء البعيدة. والتناقض الحاد بين الألوان الدافئة الصفراء والخضراء والبرتقالية للمقهى في مواجهة الأزرق العميق للسماء المرصعة بالنجوم، والذي يعززه اللون الأزرق الداكن للمنازل في الخلفية. لقد “مارس "فينسنت" سيطرة واعية وسلطة على الموضوع، ولكن اللاوعي غير المدعو تجلى في الشعور بالمسافة الاجتماعية وفي العزلة والانفصال التي تظهر عندما "يدرك المشاهد ما وراء "الصورة . عندئذ سوف" يكشف التصرف السيميائي عن الصراع الجدلي مع الرمزية ."(3) هذا هو المعني الشائع للوحة، غير أن من المدهش اكتشاف معنى خفى، يمكن أن يحرك شغف الطالب نحو مزيد من الرغبة للمعرفة والتعمق في البحث. إذ يمكن أن ينظر إلى اللوحة على أنها بمثابة تكريم للوحة "العشاء الأخير" التي رسمها فنان عصر النهضة الإيطالي "ليوناردو دافنشي". ورغم أن "فان جوخ" لم يذكر هذه الرمزية صراحةً ، إلا أنه في رسالة كتبها إلى شقيقه بعد وقت قصير من الانتهاء من اللوحة، ذكر فيها أنه :" هل يجب أن أقول كلمة - للدين"، ومن المرجح أنه يقصد الإشارة إلى "العشاء الأخير". وفي الحقيقة أن لوحة المقهي تحتوي بالفعل على إشارات إلى العشاء الأخير حيث تتضمن شخصية مركزية واحدة ذات شعر طويل محاطة بـ 12 فردًا، بالإضافة إلى صليب يلمع في خلفية التكوين، وقد قام "فان جوخ" بتضمين أشكال إضافية تشبه الصليب في جميع أنحاء العمل الفني. ومن المؤكد أن التلميح الديني ليس بعيدا عن شخصية فان جوخ. فقبل أن يكرس اهتمامه للرسم، كان يرغب في "التبشير بالإنجيل "، وكان والده، راعيًا لكنيسة إصلاحية هولندية.

فان جوخ- شرفة المقهى الليلي

التفسيرات المتعددة تعكس روعة الفن

وسوف تصبح دروس تاريخ الفن أكثر روعة وأكثر تشويقاً عندما يكتشف الدارس أن معني أي عمل فني يقبل أكثر من تفسير، لأن التفسيرات المتعددة تعكس روعة الفن، وتضيف عمقًا وثراءً لتجربة التذوق. وغالباً تختلف وجهات النظر تجاه عمل فني، تبعاً لاختلاف تجارب المتذوق، وتبعاً لاختلاف تكوينه العاطفي. وعندما تحتمل أعمال الفن أكثر من تفسير وأكثرمن معنى، حينئذ سوف تصبح مجالاً خصباً للمشاركة بين الدارسين، وتشجع على قضاء المزيد من الوقت مع العمل الفني لتأمل جوانبه المختلفة، والمشاركة في وجهات النظرالأخرى، مما يقوي العمل الفني فلا يُنسى. ومن الأعمال الفنية التي يمكن تطبيق فكرة تعدد دلالة العمل الفني، اللوحة التي رسمها الإسباني"فرانشيسكوجويا" سنة 1814، بعنوان" 3 مايو 1808 " وتصورانتفاضة الشعب الإسباني ضد غزو الجيش الفرنسي لإسبانيا وخلع ملكها. ويظهر في اللوحة رجل بقميص أبيض كشخصية مركزية . فهوعامل بسيط، اتخذ صورة "المسيح" المصلوب، وتظهرعلى يده اليمنى الندبات، مثل تلك العلامات التي ظهرت على جسد "المسيح" أثناء الصلب. وقد أنار جسده نور فانوس بشكل مبهر، ويغمره بما يمكن اعتباره نورًا روحيًا، فهو يضحي بنفسه من أجل مته. و التفسيرالشائع أن "جويا" قصد التعبير عن تماسك الروح الإنسانية وعن معنى البطولة، وإصرارالشعب على التضحية، بينما الجنود الفرنسيون يوجهون بنادقهم نحو المتمردين بطريقة وحشية، تخلو من أي مشاعر إنسانية. " لقد جسد الفنان كل ذلك بصياغة حيوية للأضواء المتضادة مع الظلال ، في مجموعة الأخيلة الظلية الحادة والقلقة التي عكستها صور الأشخاص، وهناك تضاد واضح بين إضاءة مصباح الطريق الأصفر الشحوب، وهو يضيء ساحة الإعدام والزرقة الحالكة لليل الكئيب الذي يخبرنا عن توتر مأساوي ."(4)غير أن تحول المعني نحو التمثيل التصويري المؤثر لعدم إنسانية الإنسان تجاه الإنسان، يجعلنا نتحول نحو المعني الأبعد من مجرد محاربة دولة لأخرى وإحتلال أرضها، ونتوص إلى المعني الآخر ومضمونه " العنف" الذي يمارسة الإنسان ضد أخيه الإنسان. العنف المنتشر في كل مكان ومتعدد الأشكال، فهو "العقل اليائس" الذي تشكل ممارسته جزءًا من الحياة اليومية، فردي أو جماعي، مجازي أو رمزي. وغالبًا ما يُفهم على أنه استخدام القوة أو التهديد، مما قد يؤدي إلى الإصابة أو الضرر أو الحرمان أو حتى الوفاة. وبالإضافة إلى العنف المباشر كالحرب أو الترهيب أو العنف المنزلي أو الإقصاء أو التعذيب، هناك العنف اللفظي أوالنفسي، ويشمل أيضاً العنف غير الواعي.

جويا -3مايو 1808

تعدد طبقات المعنى

وإذا كانت لوحة" ليلة مرصعة بالنجوم" تمثل منظرا لسماء الليل رسمه "فنسنت فان جوخ" سنة 1889 ، من نافذة غرفة نوم أثناء وجوده في مصحة "سان ريمي دي بروفانس" ، إلا أن الفنان قد رسمها أثناء النهار، رغبة في جعل الجمال المدهش يترسخ في ذاكرة المشاهد ولا يُنساه أبدًا. ونظرًا للمصادر المتنوعة المستخدمة في إنشاء لوحة "الليلة المرصعة بالنجوم"، فهي" نوع من التجريد والتوليف الكولاجي من النقوش المنفصلة المندمجة في مشهد واحد. (5) وتختلف لوحة "الليلة المرصعة بالنجوم" عن بقية أعمال "فينسنت" في يونيو 1889 بسبب تشكيلها المعقد والمميز. لدرجة أنه أثناءعملية الرسم، استبدل "كنيسة سان ريمي" ذات القبة بالكنيسة النموذجية من ذاكرته. ولأن الكنيسة الصغيرة تبدو هولندية أكثر، فهي تمثل أولى ذكريات "فينسنت" عن الشمال، وقد تشير لماضيه في هولندا. وكأن اللوحة " في الأساس اختراع خيالي - السماء، والقمر الساطع، ومجرة درب التبانة تحولت إلى مذنبات، والنجوم مثل القنابل المتفجرة ." (5) وللوهلة الأولى، يشعر الدارس أمام اللوحة بفرحة طفل مندهش، بينما كلما تعمق المشاهد في تفحصها يتأكد من إتقانها، فهي تجمع بين العنصرين المتناقضين (البساطة/ التعقيد) أي تصورالتعقيد ببساطة، وهذا هو سر جمالها. والنجوم في السماء، تخلق حواراً بين الإنسانية ونجوم السماء. أما الشكل اللولبي لشجرة السرو التي رتفع عموديا في مقدمة اللوحة، فيرمز إلى اللهب الضخم حين يتراقص مع الريح في الليل المضطرب، وهو يتناقض مع هدوء القرية الصغيرة الواقعة أسفل خطوط التلال. والمعني الخفي للوحة يتعلق بالجمع بين المنظرالطبيعي والدراما الكونية غيرالملموسة للنجوم. وشجر السرو الذي يمثل أيضًا الخلود، يصل إلى السماء، أي يمثل حلقة وصل بين الأرض والسماء، حيث السفر إلى النجوم. ولم يسعى "فان جوخ" إلى التقاط منظر السماء في الليل ولكن أيضًا أن يرسم المشهد الداخلي لعقله. غير أن هناك أيضًا الشعور بالطاقة والحيوية، كما لو كان فان جوخ يوجه صراعاته الداخلية نحو التعبير القوي عن الإبداع. فلم يكن الرسم وسيلة للتعبير الفني فحسب، بل كان أيضًا شكلاً من أشكال العلاج والتعبيرعن الذات. لقد أراد أن يوفق بين مشاعره المتضاربة ليصل إلى حالة سلام داخلي وسط فوضى عقله. وهنا تعمل السحب الدوامة والنجوم المتلألئة كرموز للأمل والمرونة، وتذكرنا بالجمال الذي يمكن العثور عليه فيما حولنا. وتشهد هذه اللوحة على مرونة الفنان وقدرته على تحويل آلامه ومعاناته إلى فن. وتضيف رمزية لوحة " ليلة مرصعة بالنجوم " طبقات من المعنى والعمق، وتدعو الدارس لاستكشاف الأبعاد الروحانية في جوانب الحياة، بالقدرالذي يثري تجربة تأمل أعمال الفن.

-فان جوخ-ليلة المرصعة بالنجوم

ومن المعروف أنه لسنوات عديدة، قد جذبت بعض اللوحات انتباه محبي الفن، ليس فقط لأنها جميلة، ولكن لأنها تحمل في داخلها ألغازًا لم تحل وأسرارًا خفية ومعاني سرية تجعلنا ننظر إليها في ضوء مختلف تمامًا. إذ يتمتع الفنانون بطريقة لا تشوبها شائبة في صب مشاعرهم في إبدعاتهم الفنية التي تعيش عبر الأجيال وشرح كل ما يحاولون قوله. في بعض الأحيان، يترك الفنان معاني ورسائل مخفية في تلك اللوحات التي قضى الناس سنوات في تفسيرها. وفي الحقيقة يعتبر "النقد التحليلي النفسي" هو الطريقة التي يجب أن ننظر بها إلى العمل الفني عند الشعور أنه يتعلق فقط بالتعبير الشخصي. فإن أنقى أشكال هذا النقد يصنف عمل الفنانين غير المدربين والمصابين بأمراض عقلية على أنه لا يقل أهمية عن أي فن آخر. وبهذه الطريقة يكون العالم الخاص للفنان أكثر أهمية من أي سبب آخر لحدوث الفن أو التأثيرالذي يحدثه الفن. وعند مناقشة "فنسنت فان جوخ"، غالبًا ما تسمع الناس يلمحون إلى حالته العقلية أكثر من أعماله الفنية الفعلية أو خبرته أو مهنته، وهذا مثال جيد على النقد التحليلي النفسي. وإحدى المشاكل في هذا النوع من النقد هي أن الناقد عادة ما يناقش قضايا قد لا يكون الفنان نفسه على علم بها (أو ينفيها) تمامًا. وفي الواقع، كل هذه الطرائق الحاسمة تحمل بعض الحقيقة. اوعلى دارس الفن أن يدرك حقيقة أن الفن هو وسيلة متعددة الأوجه، تحتوي على تأثيرات من معظم خصائص الثقافة التي تم إنشاؤها فيها، وبعضها يتجاوز البيئات الثقافية. وتساعد هذه الطرائق تلميذ التربية الفنية لكي يدرك جانبا من مستويات المعنى المختلفة التي تم استكشفها، وتساعد على كشف بعض الألغازالكامنة في الأعمال الفنية، وتقرب الدارس من رؤية كيف يعبر الفن عن المشاعر والأفكار والخبرات التي نتشاركها.

تفسيرالصور باستخدام الكمبيوتر

ومن المتوقع أن تساهم أليات "الصورالرقمية" في دراسة تاريخ الفن والمراجعة دون تقيد الطلاب بنطاق الفصول الدراسية، فمن الممكن أن يكتسب الدارس مهارة تفسيرالصور واستخدام البراهين المرئية لدعم وجهة نظره، والتي حصل عليها من مخزون صورالكمبيوترعالية الجودة، بدلاً من الاقتصار على ما لدى المدرس من شرائح الصور أو النسخ المطبوعة التي تعرض في قاعة المحاضرات، وفي الغالب يكون عددها محدودا، بينما الصورالرقمية المتوفرة على صفحات الموقع الألكترونية يسهل الوصول إليها، وتسمح بالعرض المباشر، وبآلية تتحدى تعقيد دراسة الأعمال الفنية. إذ أن المواقع الألكترونية لا تقتصرعلى تقديم المعرفة التاريخية الفنية، إنما تعرض التصورات المستقبلية، وتسمح بالإلهام الفكري بالتقنيات الجديدة وبالطرق الأكثر ديناميكية للتعلم ، والمختلفة عن تقنية عرض الشرائح بواسطة البروجيكتور. وبهذه الطريقة يصبح تاريخ الفن مجالاً لاكتشاف أشكال فنية غير تقليدية. وغالباً يكون المؤشرالقوي لأسلوب الفنان هو استخدامه للون وكيفية تنويعه عبرالأجزاء المختلفة من اللوحة، ويمكن للآليات الرقمية أن تساعد في هذا التحليل. على سبيل المثال، يمكن برقمنة لوحة " "مطحنة ريفية - مزرعة” A Rustic Mill -Farm (1855) للفنان الألماني"ألبرت بيرشتات" Albert Bierstadt (1830-1902) بواسطة أحد “برامج الكمبيوتر” تقسم الصورة إلى وحدات بكسل فردية ذات قيم رقمية، توضح مقدار اللون الأحمر والأخضر والأزرق في كل قسم صغير من اللوحة. إن حساب الفرق في تلك القيم بين كل بكسل وآخر بالقرب منه، يوضح للدارس كيف تختلف هذه الفروق اللونية في أنحاء العمل. ويمكن بعد ذلك تمثيل تلك القيم بيانيًا، مما يمنح الدارس رؤية أخرى للوحة، وبالتالي يمكن مقارنة تحليلات اللوحة ككل مع خلفيتها أو مقدمتها. وهذا لم تكن تتيحه الآليات التقليدية التي تعتمد على البروجيكتور في عرض الصور داخل قاعة الدراسة.

مطحنة ريفية - مزرعة” (1855) "ألبرت بيرشتات"

أن تعليم الفنون اليوم يواجه مشكلة تطويرالطرق التقليدية فى فهم وممارسة الفن، لمواكبة مفاهيم ثقافة العصر وتطور وسائط الاتصال الالكترونية، بعد أن تجاوزت الفنون البصرية المعاصرة، حدود اللوحة والتمثال والمنتجات الحرفية، لتشمل الممارسات المفاهيمية والبيئية. ومن المفاهيم التقليدية التى تستدعى إعادة النظر فيها، المبالغة فى التأكيد على الفردية بدلاً من تأكيد مبدأ قبول الآخر، واعطاء المشروعية لتدخل وسائط الاتصال الالكترونية فى التعبيرالإبدعى. فبينما كانت التربية الفنية منذ ثلاثينيات العشرين ، تهدف إلى التأكيد على"الأسلوب الشخصى" و"التعبير عن الذاتية " كسبيل للإبتكار، من خلال "الرؤية المباشرة للطبيعة"؛ بدلاً من تحسين مهارات نقل "النماذج" (الأمشق)حرفيا. فرغم التطور الذى حققته التربية الفنية الحديثة فى ظل مفاهيم الفن الحديث ، إلا أنه منذ ستينيات القرن العشرين قد تغيرت مفاهيم الفن، وفككت تعريفات الفن الحديث فى عصر ما بعد الحداثة، مما يستلزم إعادة النظر فى أهداف التربية الفنية. وقد أدى تفكيك مفاهيم التربية الفنية التقليدية إلى إقرار مشروعية مفاهيم عديدة كانت مستبعد أو مهمشة ،مثل :" الاقتباس " أو"الارتجال" أو"التوليف " أو"الاقتباس"مع تدعيم مبدأ " التعددية الثقافية " كقيمة إنسانية. ومن أساليب الثقافة البصرية فى جمالية ما بعد الحداثة، وإعطاء الأهمية إلى المعانى الاجتماعية المتعددة،بدلا من الاهتمام بالقيم الشكلية أوبمبادئ التصميم. وفى هذه الحالة تتضح أهمية تعليم الثقافة البصرية كعملية للتحقيق الإبداعى والنقدى. مثلما فعل"رمزى مصطفى"(1926-2015) فى تجهيزه "بنات النيل" الكولاج المفاهيمى إلى كولاج بصرى وقد يثير تجاور المواد من نوعيات غير متجانسة نبرة ساخرة أو تهكمية، غيرأن السخرية والتهكم هى أيضا لها جاذبيتها وقدرتهاعلى إالإدهاش والتحفيز على التأمل . وولا يشترط التوليف montage أوالتلصيق collageنهايات حتمية، وإنما يقبل أكثر من نهاية محتملة. لتسمح بإحتمالات مختلفة من التفاعل والتعايش كفكرة إنسانية حول إمكانية التقاء : الفكرمع الحس،الواقع مع الخيال. وقد سبق الفنان "حمدى خميس"(1919-1993) معاصريه باستخدام نفايات البيئة ومنها الصفيح والمساميربطريقة توليفية،مثل التخريم والخدش بأبعادها النفسية والعاطفية الساحرة.

الشيء الجاهز يتحول إلى عمل فني

ومن المتوقع أن معلم "التربية الفنية" الذي لا يفهم أنواع الفن واتجاهاته، وعلى وجه الخصوص "الفن المعاصر"، سوف يتجنب تدريس الموضوعات المتعلقة به، أو سوف يستبدلها بموضوعات أخرى يفهمها، ليكون ببساطة متأكدا أو واثقاً من تمكنه من تدريسها. غير أن المفترض في معلم "التربية الفنية" أن يكون على دراية بخصائص الفن المعاصر، حتى تواكب طريقة تدريسه التغيرات المعاصرة في مجال الأساليب والتقنيات، ولا يحصر طريقته في استخدام الأساليب والتقنيات التقليدية، علاوة على وسائل تقييمها، التي تتسبب في خنق الإبداع و إحباطه، لأنها سوف ترفض الأعمال الفنية أو الأفكار التي لا تتفق مع معايير قياسها. ومن معاييرالتربية الفنية التقليدية تلك التي تقيس نجاح العملية التعليمية على أساس النتيجة الملموسة وجودة المنتج، ولذلك تنظم المعارض الفنية "القائمة على المنتجات". كذلك من المعاييرالتقليدية للتربية الفنية تلك التي تركزالاهتمام على قياس مستوى المهارة الحرفية، ومستوى الإتقان في الصنعة. والمعلم الذي يتبع المعاييرالتقليدية بالطبع سوف لا يكون مقتنعاً بقيمة عمل "مان راي" بعنوان "هديه"(1921) كعمل فني يستحق العرض، لأنه مجرد "مكواة" عثرعليها، وتتمثل صنعته فقط في مجرد لصق المساميرعلى سطح المكواة ونقش كلمة(هدية) ووضع توقيعه. ومعلم التربية الفنية الذي لا يقدر العمل الفني إلا على أساس المهارة الأدائية وعلى أساس ما بذل فيه من الصنعة، لأنه يتمسك بالأساليب التقليدية للتربية الفنية، ينكر قيمة فنان معاصر مثل " مان راي" قد تعامل مع "المكواة" التي عثر عليها كشيء جاهز، و"كحقيقة تتمتع بطاقة كامنة تحفزعلى استدعاء صور الذاكرة، فداعبت خياله كصورة فنية لها أبعادها الإنسانية. ويؤكد ذلك على دورالخيال في تحويل صورالذاكرة التي تستدعيها الأشياء جاهزة الصنع في الواقع إلى حقائق فنية."(6) ولا يدرك المعلم التقليدي أن ما قام به "مان راي" يكفي لتحويل الشيء إلى "حقيقة فنية"، وخصوصاً أنه مزج بين صورة المكواة وصورة ذاكرته "الصورية" على نحو تهكمي مدهش، حينما ثبت المساميرعلى سطح "المكواة"، فبينما المتوقع أن يواجه سطح "المكواة" الأقمشة بسطح أملس، توحي مكواة ذلك الفنان بتمزيق القماش. لقد سلب " مان راي" من المكواة وظيفتها المعتادة وهويتها، ليسمح بالتطلع إليها كشكل ورمز يقبل العديد من المعاني والتوريات المحتملة في نفس الوقت. ولو اتبع معلم "التربية الفنية" هذه الاستراتيجية لحقق هدفاً من أهداف التربية الفنية المعاصرة. لأن أعمال "مان راي" تسير على الخط الفاصل بين الخيال الحقيقي والخيال الشبيه بالحلم. ويمكن أن تحفز مكواة "مان راي" تلاميذ التربية الفنية أثناء نشاطهم الفني على استكشاف الكيفية التي ينتجون بها عملاً فنياً بسيطا نسبيًا ولكنه قادر على الإدهاش، وكيف يمكن تعديل شيء نفعي إلى عمل فني بمنحه وظيفة رمزية، وباستخدام الفكاهة لإعادة تعريف الفن الشائع.

مان راي- الهدية

وبينما كانت استراتيجية التربية الفنية في القرن الماضي تركز على المنتج الفني وعلى المهارات التقنية، لتواكب الفن الحديث، فإنه مع التغير الذي حدث في اتجاهات الفن المعاصر أعطيت الأهمية للأفكار والتصورات، بدلاً من التركيز على الصنعة والمنتج. ومع ذلك لم يحدث هذا التغيير في مجال تدريس التربية الفنية، حيث ظل التركيز على الوسيط الفني وعلى تحسين المهارات التقنية، بدلا ً من تطوير مهارات التفكير والتصور الإبداعي. ويمكن لمعلم التربية الفنية أن يعثر في ممارسات الفنانين المعاصرين على أمثلة فنية جوهرها الأساسي هو الفكرة، وليس على اتقان المهارات الحرفية التي غالباً لا تتيح سوى مساحات قليلة جدًا لتنمية الخيال والإبداع. ولما كان الفن المعاصر يختلف عن الفن الحديث ، فلكي تتطور أساليب تدريس التربية الفنية لتواكب الاتجاهات المعاصرة يتطلب الأمر التركيز على تنمية "الأفكار" والتصورات الإبداعية" بدلاً من التركيز على التعبير عن الذات وعن استقلالية العمل الفني، كمعاييرلتقدير أصالته ولقياس مستوى إبداعه. والفن المعاصر يتميز بأنه متعدد التخصصات، بل ليس فيه حدود واضحة بين الفن وغيره من التخصصات أو بين الفن والحياة اليومية. ولربط ممارسات الفن المعاصر المختلفة بأساليب التدريس المناسبة، يضع المعلم في اعتباره أن الفن المعاصر "مفاهيمي"(تصوري) conceptual من حيث المحتوى ووسائل التعبير، ويتعامل مع الموضوعات غالبًا من منظور نقدي؛ ويعكس جوانب من الثقافة الشعبية، إما عن طريق التصور أو النقد؛ وأشكاله شعرية ونهجه يحمل عناصر البحث، وله صلة بالحواس. وغالبًا تكون الأعمال الفنية " المفاهيمية" ذات طبيعة تفاعلية وتؤثر على الحواس المختلفة، وتشجيع على اتخاذ مواقف نقدية ، حيث تصبح المناقشات والتفسيرات الفنية محورا للعمل الفني . ومثال على "العمل الفني المعاصر" الذي يعكس موقفا نقدياً "الجرة" التي يرجع طرازها إلى عصر"أسرة هان" وقد أضاف إليها الفنان الصيني المعاصر"أى ويوى" Ai Weiwei علامة "كوكاكولا" وعرضها سنة 1994. وترجع قيمة العمل إلى قوة "الفكرة" وقدرتها على الإدهاش أكثر من قيمة ما بذل فيه الفنان من إتقان يتعلق بمهارات الصنعة . ومنظورالفكرة هنا نقدي، يتحدى الموقف المتخاذل تجاه "التراث القومى" . كذلك يمكن لمعلم التربية الفنية أن يشجع تلاميذه على التعامل مع عملهم الفني مثل أعمال الفن المعاصر كمجال لتبادل المعلومات، وللتفكير النقدي، وإثارة الحوار والمناقشة حول الفن. وبالنسبة لأنشطة "التربية الفنية المعاصرة" فإنها تعتبرالأشياء الجاهزة وأدوات التوثيق والنصوص الكتابية، إضافة إلى الصور وسائط فنية.أما التمييز الشائع بين العمل الفني" التشخيصى " والعمل الفني "التجريدى" فغالبا ًيكون على أساس أن مهمة العمل الفنى التشخيصى نقل صور الأشياء التي تحيط بنا، بينما يبدو العمل التجريدي على أساس هذا التمييز التعبير من إنتاج عقل الفنان. وهذه النظرة التقليديًة التي تتعامل مع النوعين (التشخيص والتجريد) على أنهما نقيضان هي نظرة تقوم على أساس منطق هش، لأنها تغفل حقيقة أن مصدر الأحاسيس والمعانى وعالمها الحقيقي، هو خليط من محفزات داخلية وأخرى خارجية. وسواء كانت مجردة أو ملموسة ، فإنها (المحفزات الداخلية والخارجية) تتداخل في إدراكنا وفهمنا للعالم. ولذلك ، فإن الفنان في الواقع، يستقى تصوراته التجريدية من نفس العالم الذى يستقى منه التشخيص. وفي الغالب يجمع الفنان المعاصر بين الشكلين، متداخلين ومندمجين . وفى هذه الحالة تصبح الحدود بينهما أكثر غموضًا. وفي كل الأحوال يمكن النظر إلى الفن المرئي باعتباره ترجمة لانطباعات العالم المادي، سواء من خلال الواقعية والتشخيص أو من خلال الفن غير الموضوعي والتجريد. غالبًا ما يُنظر إلى هذين النمطين من صنع الفن على أنهما متعارضان. وكان الأمر قبل ظهور الفن التجريدي، كان وهم الواقع المرئي في صميم ممارسات صنع الفن، حيث اقترب الفنانون من التصوير الواقعي للعالم المادي... حتى قدم الفن التجريدي رحيلًا جذريًا عن العالم الحقيقي. تم استبدال منطق المنظور بلغة بصرية من الشكل والهيئة واللون والخط لإنشاء تركيبات يمكن أن توجد بشكل مستقل عن الإشارات البصرية إلى العالم الحقيقي. فتحت لغة التجريد نقاشًا قويًا، وامتد إنشاء هذه الإشارات البصرية الجديدة إلى نقاش فلسفي حول افتراض أن كل كيان ينقسم إلى فئتين: بعضها ملموس، والباقي تجريدي.

إزالة الخط الفاصل بين التشخيص والتجريد

ان الدافع البشري للتجريد ليس بالتأكيد اختراعًا من العصر الحديث .فإن "الدافع إلى التجريد" لا ينشأ بسبب العجز عن المحاكاة، بل ينشأ عن الحاجة النفسية إلى تمثيل الأشياء بطريقة أكثر روحانية. وكوسيلة لإطلاق العنان لسيادة الشعور الخالص أو جعل الروحانية مرئية. لقد أراد الفنان بالتجريد تمثيل ما لا يمكن التعبير عنه، وما لا يمكن تمثيله، ما يكمن في الروح البشرية - مفاهيمي بحت ولا يمكن إظهاره في شكل شيء عرفناه بالفعل من الطبيعة والتاريخ. وينطبق الشيء نفسه على التجريد المعاصر، سواء الصور الفنية أو غير الفنية. لماذا هناك إلحاح الآن أكثر من أي وقت مضى للانغماس في علاقات متعددة بين الفن والعلم والتكنولوجيا؟ لا يرجع ذلك فقط إلى أن الفن المعاصر يستعير في كثير من الأحيان مادته البصرية والتقنية من تكنولوجيات الاتصال وصناعة الكمبيوتر وأجهزة الواقع الافتراضي؛ بل يرجع أيضًا إلى أن طبيعة الفن والتكنولوجيا تتقارب بطريقة غير متوقعة.إن الأيقونات الخالصة تحل محل الأشياء تمامًا بحيث يصعب تمييزها عنها. [...] لذا فعند التأمل في لوحة ما، هناك لحظة نفقد فيها الوعي بأنها ليست الشيء، ويختفي التمييز بين الحقيقي والنسخة، وتصبح في الوقت الحالي حلمًا خالصًا - ليس أي وجود خاص، ومع ذلك ليس عامًا.ونكتشف من خلال التطور التاريخي للفن الحديث قصة تطور طبيعي من التشخيص إلى الفن التجريدي ، وخلق هوة بين الاثنين. ولكن مع حلول منتصف القرن العشرين، بدأ هذا الانقسام بين التجريد والتصوير في الالتئام، وظهر فنانون تبنوا كليهما. واليوم، يمكننا أن ندرك الأهمية التاريخية للفن وقد سمح للفنانين بالظهور وهم ثنائيو اللغة في التجريد والتشخيص. وبسبب هذه العلامات والوجهات، يمكننا الآن، كجمهور مهتم بالفن، أن ندرك كليهما على قدم المساواة.وينطبق التحليل الفني الذي كتبه الناقد "عز الدين نجيب " عن معرض الفنان بقاعة ` اكسترا` بالزمالك سنة2012 على وصف الحالة التي تقع بين التشخيص والتجريد في لوحة " الطريقة السحرية " (2021) وكان في مقالته يخاطب المشاهد للوحات لمعرض الفنان "محسن عطيه" ، فيقول:" كأن الفنان" يستحث ذكاءك قبل حواسك ويستثير ذاكرتك البصرية الكامنة بأعماقك، لتكشف من خلالها الحضور الغائب لمخزون ذاكرته البدائية داخل اللوحة، فيما يقودك -ربما- إلى معنى ما، سرعان ما تكتشف أنك تتجه نحو خدعة، ما يدفعك لإعادة المحاولة.. وهكذا ، إنه يبدأ بالارتجال.. الارتجال بالخطوط والألوان من لوحاته يساوي لحظة الاشتعال العاطفي بداخله عند بدء الرسم. لا يبدأ من فكرة ذهنية.. بل بحالة من التوهج الحسى بشعور أو خاطرة تقوده الخطوط والألوان وكأنها تمسك بزمام ريشته، وليس العكس، فى خضم هذه الحالة تتفاوت الريشة من الاستحضار والنفى. استحضار عناصر من مخزون ذاكرته القديمة على سطح اللوحة ونفيها معاً.. حالة من الجدل العاطفى بين الاندماج والوعى. الاندماج داخل الذات والوعى بالخارج، غالباً لا يستطيع حسم هذا الجدل الذى يتحول إلى صراع، وغالبا- كذلك- ما ينتهي إلى حافة التجريد وليس التجريد كاملا.. وبغض النظر عن موقف الفنان `عطيه `بين الوعي واللاوعى أو بين الحلم والعاطفة..، فإنه من المؤكد أنه يحقق للرائى حالة من الدهشة والانتباه بحثاً عن شىء لا يدركه بالبصر، بل قد يحس بالبصيرة، عبر باليتة لونية صداحة حيناً، وأسيانة حيناً آخر، وعبر خطوط ديناميكية جياشة بالحركة، لا تحدد أشكالاً بعينها بقدر ما تتخلل مساحات الألوان، تظهر وتختفى بينها مثل عروق المعادن في صخور الجبل."(7) وفي الواقع "أن جميع الصور، بما في ذلك اللوحات التجريدية وغيرها من اللوحات غير التمثيلية، هي علامات ." إذ أن الأيقونات الخالصة تحل محل الأشياء تمامًا بحيث يصعب تمييزها عنها. [...] لذا فعند التأمل في لوحة ما، هناك لحظة نفقد فيها الوعي بأنها ليست الشيء، ويختفي التمييز بين الحقيقي والنسخة، وتصبح في الوقت الحالي حلمًا خالصًا - ليس أي وجود خاص، ومع ذلك ليس عامًا. وبمجرد التأمل في صورة بهذه الطريقة، في تجاهل تام لمرجعها، فإنها لم تعد أيقونة ثانوية، بل أيقونة خالصة. تقترب عملية التأمل من ما عرفه تقاليد الجماليات على أنه الوظيفة المستقلة أو المرجعية الذاتية للفن. إن اللوحة التي فقدت قدرتها على الإشارة إلى أي شيء سوى نفسها تفتح عيني الناظر لرؤية الألوان والأشكال على هذا النحو. في الواقع، يحدد بيرس الأيقونات النقية في مكان آخر بالأشكال النقية، عندما يقول إن "الأيقونات لا يمكن أن تمثل شيئًا سوى الأشكال والمشاعر" وأن "أي أيقونات نقية لا تمثل أي شيء سوى الأشكال؛ ولا يتم تمثيل الأشكال النقية بأي شيء سوى الأيقونات."(8)

محسن عطيه - الطريقة السحرية 2021

أساليب متنوعة لضمان ترابط عناصر العمل الفني

تهتم التربية الفنية المعاصرة بتنمية مهارات التفكير النقدي وصولاً إلى وجهات نظر مختلفة، والقدرة على المناقشة والحوار والتفسير، على أساس أنه يمكن استخلاص تفسيرات متعددة، وليس المعنى الوحيد الذي ينقله المعلم لتلاميذه. ومن الملاحظ أن الأعمال الفنية غير التقليدية والمثيرة للجدل حول أحقيتها في اعتبارها عملا فنياً أم ليس فنياً ، تكون أكثر الأعمال ملاءمة لممارسة عمليات التفسير، لأنها تحتمل تفسيرات مختلفة، وبالتالي تثيرالرغبة في الحوارات بين الطلاب، وتدفعهم للمشاركة بأفكارهم مع زملائهم، وتجعل التفاعل بين الأشخاص المختلفين ممكنا أثناء التطلع إلى عمل فني، مثل "التجهيز في الفراغ" بعنوان"العبور الصعب"(2008 ) الذي جمعت فيه الفنانة الأمريكية "كارول بوف"Carol Bove (ولدت1971) بين أشياء وخامات متنوعة، مثل الأدوات الفولاذية الصلبة والريش وأجزاء من نباتات وعناصر طبيعية أخرى، وبطريقة غير تقليدية تثير التساؤل حول مدى صلاحية الجمع في عمل فني بين مواد متنوعة، خصوصا وأن هناك مبدأ شائع يشترط وحدة العمل الفني ونقاء المادة المستخدمة في تنفيذه. ومن المتوقع أن يتوصل الحوار إلى أفكارغير تقليدية، إذا أدرك الطالب أنه توجد طرق مختلفة لضمان ترابط مكونات العمل الفني، وليست فقط الطريقة الشكلية-البصرية هي الوحيدة ." وبدلاً من التمسك بفكرة العمل الفني كوحدة متوحدة ، أفسح المجال لفكرة تقبل المنفصل والمتقطع كقيم جمالية تتفق مع الثقافة المعاصرة ، التي برؤيتها توظف التعارض للتعبيرعن فكرة التعايش بين المختلف"(9) ومن طرق تحقيق الترابط بين المكونات المتنوعة، الطريقة التي تحقق الترابط على المستوى النفسي والأخري التي تحققه على المستوى العاطفي كبديل للترابط البصري. ومن التفسيرات على المستوى الوجودي أن تجهيز الفنانة "كارول" يمثل انعكاساً لفكرة مواجهة الإنسان في الحياة للاحتمالات والنهايات الغامضة، والتي يصعب فهمها. ولو أن "الغموض" أحياناً يدفع نحو الانخراط الأعمق مع الأفكار في محاولة لفك استغلاقه. ومثل هذه الممارسات الفنية من خلال الأعمال التجميعية والتوليفية أو باستخدام أشكال تركيبية، ضمن أنشطة التربية الفنية هي بمثابة محادثة شكلية تؤثرعلى مختلف الحواس، وتفسح مجالاً لإبداء وجهات النظر المتنوعة حول العمل الفني. ومثلما يتميز الفن المعاصر بأنه متعدد التخصصات فإن التدريس بمفاهيمه يتيح الربط بين الفن والمواضيع الأخرى، ويدعم النقاش حول القضايا الثقافة، يساهم في تطويرالتفكير النقدي، وبشجيع الطلاب على التعبيرعن آرائهم.

كارول بوف-العبور الصعب

بلا حدود فاصلة بين الفنون والحرف

تشجع التربية الفنية المعاصرة على ممارسة العمل الفني كمجال مفاهيمي- تصوري، باستخدام أساليب التوليف بين وسائط مختلفة. مثل"إبريق الشاي"(1989) من البورسلين المزجج (متحف جاردينر،بتورينو) للفنان الكندي"بول ماثيو" Paul Mathieu (ولد1951) بطبيعته المفاهيمية له تأثيره العاطفي والبصري والفكري بل يعكس موقفاً من الحياة والواقع. وهذا العمل يعد نموذجا لفكرة توسيع مفهوم "الأنية الخزفية" بالقدر الذي يمكن معه تجاوز حدود وظيفتها النفعية في الحياة اليومية، وصولا إلى قيمتها الخيالية وتأثيرها العاطفي. وبهذه الطريقة يمكن للمعلم أن يستكشف مع تلاميذه الأبعاد الخيالية والعاطفية في منتجات حرفية من خلال التعرض لأعمال فنية معاصرة . أما الفكرة وراء "إبريق الشاي" "ماثيو" فهي تدعو " إلى ضرورة إعادة تفسير مسائل ثقافية، مثل طقوس الطعام والشراب، بل إعادة النظر في مسائل جمالية ، إذ أن الإبريق ويفاجئ المشاهد بتغييرات غير متوقعة، مصحوبة بدعابة، وتشجع على مزيد من التفكير المتعمق فى العلاقة بين فن الخزف التقليدى وإبداعات الخزف المعاصر."(10) وهذا الفهم للعلاقة بين الفن والحرف وتجاوز الأنية الخزفية حدود وظيفتها النفعية في الحياة اليومية لتحقق قيما خيالية وعاطفية له جذورة أسلوب "الآرت نوفو" فبحلول تسعينيات القرن التاسع عشر، بدأت جميع مصانع الخزف الكبيرة في أوروبا على الأقل في تكليف تصميمات على طراز "فن الآرت نوفو" وأنماط أخرى،مما كان يميل إلى قمع تطوير الفخاريات لحرفة نفعية ، تبعاً لنمط أدوات المائدة مثالاً على ذلك كان "ماكس لويجر" وهو مهندس معماري في الأساس، هو صانع الفخار الألماني الوحيد المهم للغاية في القرن التاسع عشر، كمصمم فقط، وبأسلوب فن الآرت نوفو من أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر.

مزهربية- ماكس لويجر1898

التعلم النشط بالوسائط المتعددة

ولأن قوة التعليم العاطفي تكمن في إشراك العواطف، فإن التعليم العاطفي يؤكد على تطوير أنواع معينة من التفاعلات العاطفية التي قد توفر وسيلة أكثر فعالية لإشراك التلاميذ في العمل البيئي .ويمكن التعامل مع "فن التركيب" على اعتبار أنه يناسب طريقة التعليم التي أساسها إشراك عواطف التلاميذ. أما مصطلح "فن التركيب" أو "التجهيز في الفراغ" "فهو يصف الأعمال من الستينيات وما بعدها والتي تشترك في بعض الخصائص مثل: إنشاء حدثevent، وخصوصية الموقعsite-specificity، والتركيز على المسرح، وسيرالعمليةprocess، والمشاهدة spectatorship والزمانية temporality،أي أن له طابعه الخاص بالموقع، أو بالمتفرج. وهذا الطابع الهجين للتركيب كشكل من الفن يتمتع بتاريخ طويل ويمكن وضعه في تقليد الحركات الفنية مثل الرسم الحركي، والدادا، والتدفق، والحد الأدنى، والأداء، والفن المفاهيمي- الحركات التي تؤكد على الفن كعملية بدلاً من الهدف النهائي.(11)

آلان ماكولوم ، أشكال البتزل 2006

ويقصد بالفن المفاهيمي Conceptual art "الفن التصوري" أي أن مادته التصورات والتخيلات أكثر من الأفكار التي تتعلق بالمنطق والعقلانية، وهذا التوضيخ لطلاب التربية الفنية يساهم في تعديل مفاهيم كثيرة حول أعمال "التركيب" installation و"فن الأرض" من أشكال الفن المعاصر التي تسمح موضوعاتها للتلاميذ بمساحة أكثر للتعبير بحرية وتعاطف من خلال الفن. ومن المتوقع أن تثير التجهيزات في الفراغ مشاعر مختلفة وتحتمل آراء متنوعة لدي مختلف الناس، حيث لا توجد إجابة صحيحة أو خاطئة، عندما يتعلق الأمر بالتفاعل مع مواد البيئة في أعمال التجهيز في الفراغ، بينما تطمس الخطوط الفاصلة بين الفن والأشياء اليومية العادية. وأشكال التفكير المرتبطة بالفنون تكون مفيدة عندما يكون هدف التعليم هو تجاوز "العقلانية" من أجل تحفيز الطلاب على "التفكيرالإبداعي" وعرض وجهات نظرمختلفة أو حلول جديدة، بفضل تطويرالقدرات المناسبة بما في ذلك "التفكيرالنقدي" الذي يؤدي إلى وجهات نظر جديدة الفن. ومن عوامل الجذب الكبيرة لاستخدام الفن في التعليم هي قدرته على ربط الحقائق المختلفة من خلال العواطف، وتمكين الطالب من التعاطف مع القضايا التي تتجاوز حياته اليومية. ويشير التطورالعاطفي إلى زيادة الاهتمام بالتعلم وتقديرالذات، والاستعداد لتجربة أشياء جديدة. كذلك يبدو أن "التجهيز في الفراغ " يتميز بقدرته على التأثير في الزائر الذي يصل إلى حد التفاعل الجسدي بينه وبين العمل الفني. فرغم أن للعديد من الوسائط الفنية القدرة على إشراك المشاهد، إلا أنها لا تغمرهم تمامًا، مثلما يفعل" فن التركيب" في الفراغ ، فإنه بالإضافة إلى كونه يشجع على إجراء الحوارات بين الزائر والعمل، فإنه يسمح كذلك بالتعامل مع الفن من وجهات نظر جديدة ومختلفة. ومن المعروف أن "فن التركيب" كان موجودًا منذ ما قبل التاريخ، ولكن لم يُنظر إليه على أنه فئة منفصلة حتى منتصف القرن العشرين. ويمثل العمل الذي نفذه الفنان الأمريكي المعاصر" آلان ماكولوم" Allan McCollum( ولد1944) بعنوان "أشكال البتزل" Petzel shapes (2006)شكلا من الفن" التركيبي/البيئي" installation/environmental وهو عبارة عن تركيب من أشكال ثنائية الأبعاد، ويسمح بصنع أشكال فريدة كافية لكل شخص على هذا الكوكب، ليكون له شكل خاص به. وهذه تجربة حسية أوسع، مما لو كان التركيز على الأشكال المؤطرة على جدار، أو أوسع من مجرد عرض لأشياء معزولة وموضوعة فوق قاعدة، مما يصادف في قاعات العرض التقليدية. فالزائر لهذا التركيب يشعر بالمكان والزمان على نحو مكثف وملوس، مما يعني تجاوز الخط الفاصل بين "الفن" و"الحياة". و"إذا تجاوز ممارس العمل الفني حدود المادة الوسيط واتخذ الطبيعة نفسها كنموذج أو نقطة انطلاق، فقد يتمكن من ابتكار نوع مختلف من الفن، من الأشياء الحسية للحياة العادية". إن أهمية تطوير القدرات الإبداعية للطلاب معترف بها في مجال التربية الفنية، و في القرن الحادي والعشرين نشأت الحاجة إلى "تأسيس نموذج تجريبي ، حيث أن "التزاوج الجديد بين الفن والوسائط التكنولوجية الحديثة قد جمع بين كل من "الفن المفاهيمي" و"الفن البيئي" Environmental-art وفن الأرض، مثلما جمع بينها التغير الجذري في مفهوم الصورة الفنية، وفي المواد المستعملة في العمل الفني، وفي طرق الأداء.”(12)

__________________________________

المراجع:

Stephen F. Eisenman, Gauguin’s Skirt,: Thames and Hudson, London 1997,p. 201 (1)

Herbert Read: A cocise history of MODEN PAINTING.THAMES AND HUDSON,London 1986,p. 40 (2)

Kristeva,Julia.(1980).Desire in Language,A Semiotic Approach to Literature& Art.NY:Columbia University Press,p18. (3).

(4)محسن عطيه: غتية الفن ،دراسة فلسفية ونقدية، دار الممحسن عطيه: التجربة النقدية في الفنون التشكيلية، عالم الكتب، القاهرة،2011، ص148عارف بمصر، 1991، ص152.

(5) Pickvance,Roland (1987). Van Gogh in Saint-Remy and Auvers., NY: The Metropolitan Museum of Art, Harry N. Abrams, Inc. Publishers

6)محسن عطيه: الجماليات .. لماذا؟ في الفن الحديث ومابعد الحديث عالم الكتب، القاهرة 2020 ص104

(7)عز الدين نجيب :جريدة أخبار الأدب، 22، ابريل 2012.

(8)Krešimir Purgar: The Iconology of Abstraction — Non-figurative Images and the Modern World, Routledge Vanderbilt Avenue, New York, 2021,p. 25

(9) محسن عطيه: اتجاهات في الفن الحديث والمعاصر، عالم الكتب ، القاهرة 2011. ص171.

(10)محسن عطيه: التجربة النقدية في الفنون التشكيلية، عالم الكتب، القاهرة،2011، ص148.

(11) Vivian van Saaze: Installation Art and the Museum: Presentation and Conservation of Changing Artworks , Amsterdam University Press(2013.p. 17

(12) محسن عطيه:التفسير الدلالي للفن ، عالم الكتب ، 2007،ص117.