الألوان والقيم المتحولة

من ويكي الكتب

بقلم/د.محسن عطيه

القيم اللونية

للألوان أهميتها الكبيرة في الحياة،ولا يمكن للون إلا أن يرى،والإنسان ينجذب لخضرة العشب في الحقول وبزرقة السماء. وتوصف الألوان أحياناً بالبرودة وأحياناً أخرى بالدفء. ومنذ القدم اكتسبت الألوان معان رمزية،فبينما أدرك القدماء أن للأحمر خاصية تتعلق بـ«الحياة» و«الخصوبة» و«العاطفة» و«القوة» و«السرور»من ناحية،فهوأيضاً مرتبط بالحرب والثورة والنار. والأحمر عند «الفراعنة» هو لون إله الشمس «رع»، وفى شعر المتصوفين [القرن 18] تصور الذات الإلهية في هيئة« وردة عظيمة حمراء» تشع منها الحياة الأبدية . ويرمز الأخضر إلى عالم الطبيعة والأمل، والأزرق للعذراء وللرحابة، والبنفسجى للطهارة والقداسة. وفى الحقيقة أن إدراك اللون يرتبط بشعور معين ويستدعى الذكريات ،ويمنح الفنانون الألوان معان. وتتداخل قيمة اللون الظاهرة مع قيمته التمثيلية والانفعالية في العمل الفنى. أما الفنان الفرنسى "هنرى ماتيس"(H. Matisse(1869-1954 فإنه استخدم الألوان" مثلما يتعامل ملحن مع النوت الموسيقية."[1] ويمكن تناول العمل الفنى على أساس أنه فعل،تنصب فيه «المدركات البصرية » مع «الاستجابات الشعورية» و«الدلالات الرمزية». وإذا كان النشاط الجمالى يمثل المرحلة الأولية للمعرفة، وفيها تتشكل المشاعر في هيئة أشياء محسوسة،فإن جمال التعبير عن المشاعر يتحقق باستعادة الأحاسيس بالتخيل والتعبيرعنها. وقد عبر "ماتيس" في لوحاته عن ابتهاجه بالحياة بإسلوبه الفريد حيث "التأكيد على التأليفات اللونية بين المساحات الصافية المبهجة أوالمحايدة. أما كثرة الألوان فهى في رأى"ماتيس" تفقدها قوتها التعبيرية. ومن هنا أراد الفنان أن يعبر عن عالمه الخاص وعن أحاسيسه التى أيقظتها الألوان." [2]صافية ومبهجة. وفى الحقيقة أن فكرة التمييز في عناصرالعمل الفنى بين قيم حسية وقيم مستعارة، تقوم على أساس ميتافيزيقى يحرص على الطابع المباشر للخبرة الجمالية، ويستنكر إضفاء أي صبغة ذهنية على العمل الفنى. ولما كانت المدركات الحسية دائماً لا ترد «منعزلة»، إذن ليس من الممكن ممارسة خبرة حسية «جمالية» مباشرةعلى نحو منفصل، دون تداخلات «نفسية» و«ذهنية»، مما ينتج عنه خبرة توليفية(تركييية) synthesisأى أن القيمة الجمالية للألوان في العمل الفنى، لا تنحصر في مجرد الإحساس باللون منفصلاً، وإنما متداخلا ومتفاعلاً. وفى الواقع لا يصادف المرء لوناً نقياً تماماً، ولا يرى في الخلاء، بل يرى فوق سطح أو أرضية، غير منعزل عن الضوء، كما أن الألوان المستخدمة في الرسم هي عبارة عن «أصباغ» ،أي مواد ملونة . وعلى عكس الخط في استقراره، لا يبدو اللون كما هو مرتين ،لأنه يتغير بتغيرالظروف المحيطة به . هكذا يتوقف جمال اللون في العمل الفنى على التداخل بين إدراكه بالعين كقيمة حسية مباشرة، وتأمله كقيمة معنوية تؤلف بين عناصر «نفسية» و«ذهنية» و«بلاغية». وعند تأمل لوحة فنية، سوف تتدفق عبر جهاز البصر مواقف وميول كل الأعضاء.

الألوان والطاقة المختزنة

والواقع أن الأفكار والصور الذهنية لاترد للفنان عمدا ،بل هي تجيئه على شكل ومضات، لاتضىء إلا حينما يتحرر من المشاغل الجزئية السابقة.إذ أجهزة الحس المختلفة ليست "سوى المجرى (أو القناة) التى تمر عبرها الاستجابة الكلية. واللون على نحو ماهو مرئى إنما يتسم دائماً بأرجاع ضمنية لأعضاء كثيرة، بما فيها من أعضاء الجهاز "السمباتاوى" وأعضاء اللمس،فهو بمثابة الأنبوبة التي تمر عبرها الطاقة المختزنة،دون أن يكون ينبوعاً لها بأى حال. وحين تكون الألوان غنية أو نفيسة،فلابد من أن تكون هناك حصيلةعضوية شاملة،قد استطاعت هذه الألوان أن تطورها في أعماقها."[3]فإن للعين ميلها للملاحظة والرغبة والانفعال متأثرة بالخبرات السابقة، ليس عن طريق الذاكرة الواعية ،وإنما عن طريق رد الفعل المباشر.وعندما استخدم "ماتيس"الألوان الزاهية و الصافية في لوحة«غبطة الحياة»(1905-6) كان يقصد أن تعبر عن الإلتقاء بين الفرح والسكون أي في جو هادئ مريح ،وأن تجمع بين المتعة و البراءة. وقد وصف هو نفسه الأشكال فيها بقوله :"إنها تغنى معاً مثل الأوتار في الموسيقى."[4]فكل شئ في اللوحة يخضع لمعاييرالتناغم واللحن والإيقاع،وهي تمثل المعادل البصرى" لمعنى حب الحياة المفعمة بالتناغم وبالأحاسيس المشرقة،الخالية من التوتر والقلق."[5]و يتوقع الفنان من المشاهد أن يستجيب لقيم الألوان الحسية في لوحته وهى تتفاعل مع القيم الأخرى العاطفية والخيالية والذهنية. طالما تتصف الألوان بطبيعة وجدانية وبصبغة عاطفية وتنطوى على معنى وقدرة تعبيرية،فلا ينفصل الانفعال الذى يحدث عن طريق البصر عن رد الفعل اللمسى، بل هما يتداخلان ،بفضل ميل الإحساس للامتداد والامتزاج بأشياء أخرى. وفى الخبرة الجمالية تيمتزج البصرى باللمسى .

غبطة الحياة والقيم المحولة

ويشعرالمشاهد للوحة"غبطة الحياة"(1905-6) ينتقل إليه الإحساس بحالة"الاستسلام وخلو البال"من جراء الطابع الحسى للصياغات اللونية التي ساهمت في توسيع التعبير الفنى بإسلوب تزيينى، دون الانزلاق إلى حد المبالغة حتى لا ينقلب "الطابع التزيينى" إلى زخرفة متكلفة فارغة‘أو تحلية خارجية تثير السخرية.أما اللون في لوحة "ماتيس" فله قوته التعبيرية،وبوسعه أن ينقل معانى الرقة والتألق والابتهاج. ويصادف المشاهد للوحة ألوانا زاهية صادمة ومساحات واسعة فارغة،لو استخدمها أي فنان لايمتلك عبقرية "ماتيس" لبدت قبيحة وغير محتملة، مثل السكر في الحلوى. غير أن المعالجة اللونية في لوحة "غبطة الحياة"تخلق حلماً بلغة الألوان، وقد اتحدت مع ذات الفنان، واندمجت مع خيالة ونفسيته. وهذا المبدا يشرح رسم الآشخاص في اللوحة بأجساد هامدة وشهوانية ،وبهيئات دائرية، وبخطوط سميكة ومساحات لونية مصمتة ومسطحة . إنها لوحة رسم فيها أكثر من مجرد الرقص والغناء، لأنها كذلك ترسم حالة حب بين أشخاص يشكلون ثنائيات مترابطة في تكوينات مختلفة،بحيث يذوب الواحد في الآخر،وفى جهة اليسار امرأة تنحنى بظهرها في فتخلق خطاً مقوساً بسيطاً وهى تلتقط العشب، فتستعرض الطبيعة الأنثوية لجسدها النابض بالحيوية.وكل الخطوط المقوسة في اللوحة تهتز بحركة ونشاط كلى. وتردد أشكال الشخوص صدى التشكيلات غيرالمتماثلة في السماء. وفكرة "الجنة البدائية" و"الحرية الفردوسية" تعكسها الألوان الصفراء في صدارةاللوحة، فهى تشبه لون الرمال، مثلما تعكسها ألوان الأشجارالنابضة «بالحيوية »الحسية كمثير للإحساس العاطفى، وأيضاً يعكسها المكان الذى ينأى عن تعقيدات حياة المدينة العصرية، وكذلك موقف الابتهاج بالنشوة الآسرة، وبحرية «الرقص »و«الغناء» و«الغذاء» و«الحب». وقيمة الألوان تحققت في هذه اللوحة بفضل ما يعرف بـ"القيم المحولة"transferred values حيث "نرى الفواصل والاتجاهات في اللوحات. ونسمع المسافات والأحجام في الموسيقى. ولو كانت الحركة وحدها هى التى تدرك في الموسيقى، والسكون وحده هو الذى يدرك في التصوير، لعدمت الموسيقى تماماً كل بناءstructure ، ولصارالتصويرمجرد عظام يابسة."[6]ولا يعنى قدرة اللون على إثارة «المشاعر» و«الأفكار» أن لكل لون وظيفة معينة،تختلف الألوان الأخرى، وإنما الفنان هو الذي يطوع الألوان لتتحدث بلغته،فيجعلها «مرحة »أو «حزينة» أو «صافية» أو«جليلة» أو «كئيبة» أو«غامضة». وقد صرح الشاعر"وردزورث"W.Wordsworth(1770-1810) بقوله في هذا الصدد:" أن حياته تسرى في الطبيعة، في الأشجار والأزهار والسحب والعواصف،وهو يستمتع بإحساسه بالروح الكامنة في الحياة، ويبتهج بتأمله وبإحساسه بمثل هذه المشاعر، وأيضاً يبتدعها إذا لم يعثرعليها. وأنه بذلك يتأمل الطبيعة،وكأنها كائن يحس،ويتعامل مع موجوداتها مثل الأشجار والأزهارعلى أنها تحلم وتتألم."[7] كذلك جمال الألوان في لوحة"ماتيس" يتوقف على اندماج مظهرها المحسوس بالعين مع قيمها التعبيرية ومعانيها،التي لاتضاف إليها عن طريق «التداعى»، وإنما تكون منها بمثابة النفس من البدن. ومن المؤكد أن المعانى العقلية ليست وحدها التي تنقل من الخبرات الماضية أثناء تأمل لوحة مثل "غبطة الحياة" بل تنقل قيماً أخرى،فتزيد من قوتها التعبيرية،لأن الذهن يكون حينئذ في حالة ذوبان،وممتلئا بالعديد من الحالات الانفعالية والمواقف الوجدانية،القابلة للاستثارة. وتتميزالذاكرة الصورية للفنان بالوفرة والخصوبة أكثر مما هي لدى أي شخص عادى."وما يطلق عليه اسم «سحر الفنان» إنما ينحصر في قدرته على تحويل هذه القيم من أحد مجالات التجربة إلى مجال آخر،لكى يربطها بموضوعات الحياة المشتركة،مضيفاً إليها بفضل بصيرته المتخيلة- طابعاً حاداً هاماً."[8]وليست القيمة الجمالية للألوان تتوقف على خصائصها الحسية وحدها أوعلى تأثيرها على العين فحسب،وإنما يتوقف جمالهاعلى مدى تشربها وتشبعها بالقيمة المحولة. وبذلك يظهر أن جانباً كبيراً من التأثير الانفعالى المباشر للوحة "غبطة الحياة"، قد تحول لاشعورياً من قيم انفعالية مرتبطة بالأقمشة، والملصقات والزهوروالفسيفساء والأبسطة الفارسية. وما شعر به الفنان يستحضره في الوعى،مثلما يوضح الفيلسوف"كروتشه " Croce(1866-1952) حقيقة "أن الفنان يجمع في فنه بين لحظات التعبيرعن مشاعره تجاه العالم والحياة،ويصبح موضوع الفن هو الطابع المشخص والإدراك المباشرالذى يبدأ منه الفنان."[9]ولما كان من رأى الفيلسوف الإسبانى "سانتيانا"G.Santayna(1863-1952)أن القيم الجمالية تتضمن قيمتها في ذاتها على عكس القيم النفعية ،ومضونها الحرية والمتعة،كما تتمثل في «المادة» و«الصورة» و«التعبير».لذا فإنه ليست الألوان أو القيم الحسية"هي التي تمثل المادة أو الصورة،بل إنما تمثلها هذه الكيفيات حين تتشرب وتتشبع تماماً بالقيمة المحولة.وعندئذ تصبح هذه الكيفية إما بمثابة «المادة»، وإما بمثابة «الصورة» ،وتبعاً للاتجاه الذي يتخذه اهتمامنا."[10]

نشأة مصطلح القيم المحولة

كان الناقد الأمريكى وجامع التحف الفنية "البرت بارنز"(1872-1951)Albert C. Barnes هو أول من استخدم مصطلح "القيم المنقولة "(أو المحولة)transferred values في كتاباته ومناقشاته حول مجموعته المقتناة وتضمها مؤسسته الفنية التى أنشأها فى" بنسلفانيا" سنة 1922 كمؤسسة تعليمية، وفقاً لنظرياته الجمالية التي تأثرت بالفيلسوف الأمريكي "جون ديوى"وتضم أعمالاً فنية مختلفة لفنانى "الانطباعية" ومابعدها، وكذلك قطع الأثاث والتحف المعدنية من العصورالوسطى وعصر النهضة. ونظم "بارنز" المتحف بحيث تظهرالعلاقة بين اللوحات والأشياء(الأثاث والمنتجات الحرفية الدقيقة) و"على أساس التماثل في اللون والضوء والشكل فخلق تحفته في العرض بطريقة فريدة و كنهج يضئ الفن. وفى سنة1924 نظم"بارنز" برنامجا تربوياً ، "واستعان بالاتفاق مع جامعة بسلفانيا بأن يشغل "توماس مونرو" منصب أستاذ محاضر في ذلك البرنامج ومديراً لـ"مؤسسة بارنز". وهناك كانت تجرى المناقشات المثمرة حول الجربةالجمالية، وبخاصة من خلال نظريات "جون ديوى"، بل أن" ديوى" مع" بارنز" قاما معاً بالعديد من الجولات في متاحف أوروبا ،مما كان له أثره في تقريب وجهتهما في مجال الجماليات."[11] وقد كتب "بارنز" العديد من المؤلفات حول نظريات جماليات الفن. وفى ضوء نظريته عن"القيم المنقولة"(أو المحولة) أظهر"بارنز"أن جانباً كبيراً من التاثير الانفعالى المباشر للوحات "ماتيس" إنما هو محول بطريقة لاشعورية من قيم انفعالية ارتبطت في الأصل بأقمشة الفرش،والملصقات والزينات الوردية(بما فيها نماذج الأزهار)والفسيفساء،والخطوط الملونة وقطع الورق والأعلام وغيرها من الموضوعات الأخرى." [12]

الطابع التزيينى والقيم الجمالية


وإذا كانت طبقة اللون الحمراء في لوحة"ماتيس"شيئاً ماديا ملموساً،إذ الإحمرار سمة مجردة يميزها العقل الإنسانى،فإن الخبرة الجمالية ليست شيئاً مادياً،بل هى شكل كلى بصرى يتركب من سمات مختلفة،لكل منها معناها «المفهومى».وليس قطعاً أن يصنف أسلوب "ماتيس"كإسلوب زخرفى يستخدم كل فراغ السطح المتاحكفواصل أو روابط بين المساحات من ستر ونوافذ أو جدران أو أرضيات ومنسوجات.وأحيانا يحبذالذوق لزخرفى لذاته كما هوالحال في «المنسوحات الإسلامية»،و«الفسيفسا»ء، و«القرميد» و«الرسوم على سطح الجص».وفى بعض الأحيان تتجه مستحدثات الزى إلى أن تكون ملابس النساء مليئة بزخرف"لا وظيفى".فإذا كان الأمر كذلك،فإن أهداف «الجمال الأنثوى» والجاذبية الجنسية يمكن أن تخدمها هذه الطريقة بصورة أكثر ما يكون فعالية"[13]وإذا توفرت في المبتكرات النفعية الصلاحية والفعالية من حيث مهارة صنعها وتأثيرهاالحسى المبهج،فإنها قطعا سوف تسر المشاهد من الناحية الجمالية. ويمكن لمن يتأمل الخطوط أو الألوان في لوحة ماتيس "غبطة الحياة "أن يكتشف أبعادها العاطفية والخيالية والمفاهيمية، مثلما يتوصل إلى دلالتها التعبيرية.لأنه ليس إدراك «سيولة الماء» أو «صلابة الصخور» إحساسا بصريا بحتا ،وإنما هو إحساس مرتبط في نفس الوقت بأحاسيس ملمسية وإنفعالية. وبالانتقاء وإعادة التنظيم يمنح الفنان عمله الفنى جماله ،عندما يجمع القيم الحسية مع المشاعر والعواطف. من هنا عبر"ماتيس " في لوحته عن حالة «الاستسلام»التى ينعدم فيها القلق من المستقبل المجهول .ويحمل الطابع التزيينى أبعاداً تعبيرية،إذ أن انفصال القيم الحسية عن المعنى يؤدى إلى تحويلها إلى مجرد «زينة فارغة» أو «زخرفة متكلفة»، وأحيانا تستخدم الزخرفة لإخفاء ضعف ما في العمل الفنى. ويمثل"الحدس" عند " برجسون" العنصر" الديونيسى" الأقدر على التعبيرعن العنصر الغنائي، مثلما في الفن التأثيرى و«الموسيقى الانطباعية». أما "شوبنهاور" فيصرح أن التحقق الموضوعى للإرادة ،يتمثل في الفن الذي يخلص المشاهد من سلطة الإرادة. فكل عنصر يتحول إلى آخر في المجال المقابل.وبذلك يتمثل الشئ بشكل أفضل بعد التحول منه إلى المجال المقابل، ويبلغ ذروة ثمرات الإرادة.

الرقصة والحركة الشمولية

وقبل أن يشرع في رسم لوحته "الرقصة"(1910) تردد "ماتيس"عدة مرات على" طاحونة جاليت" لمراقبة رقصة ”الفاراندول“(الرقصة الريفية )التي تؤديها النسوة مع الرجال متشابكين الأيدى في حلقات، بمصاحبة موسيقى وثابة.وأثناء الرسم ردد الفنان اللحن الذي سمعه، فأنتج لوحة رائعة ذات تكوين راقص متناغم على الإيقاع ذاته.إن الصورة ليست مجرد "محاكاة " بل أضحت صياغة بنيت في ذاكرة "ماتيس" الصورية.وليس هناك رسم أو موسيقى بلا «غموض».وبينما الفن يقلق ،يعيد العلم الطمأنينة.والرسم وحدة بين البصرى والمعنى الرمزى معاً . لقد رسم "ماتيس" لوحته مثل استعارة أوصياغة بديعية ( بصرية - مكانية) لقالب الحركة. إذ تحسس «الرقصة» في فراغ ثلاثى الأبعاد ككل متحد، من الحركة الشمولية المتزامنة للساق والذراع والجسد والإبصار والسمع والرائحة،واستنشاق النفس وإخراجه ، فيتذكرالإحساس والرؤية وشم الرائحة وسماع الأصوات. وقد صور "ماتيس" بتأثير من منظر«الشجرة المتفتحة» أوبموسيقى وتواشيح إندلسية مبهجة، تعكسها أيضاً البساطة والنضارة في المخطوطات الفارسية والمطبوعات اليابانية.

الطبيعة الصامتة ورائحة الكراث

وإذا تميزت لوحات "ماتيس" بالشعور بالراحة والمرح، فإن قوة العنصر الدرامى تميز لوحات "بيكاسو". لقد بحث "بيكاسو" عن شئ أكثر واقعية من الواقع عندما رسم لوحة" الطبيعة الصامتة ". ولتوضيح دور الاستعارة metaphor في فنه صرح بقوله: وضعت في لوحة «الطبيعة الصامتة »صندوقاً من الكراث وأردت أن تعبق لوحتى برائحة الكراث .إذ يلجأ الفنان لذهنه للتوصل إلى الاستعارة أو المجاز وأفعال التقمص الوجدانى، وإلى موضوعات متجانسة عاطفياً مع انفعاله، فيجعلها تحل محل الموضوع المباشر والانفعال المباشرفى صور جمالية-خيالية.وأساس الاستعارات البصرية فكرة مزج التشابهات بين واقعين لتصور ما فوق الواقع .أما الكناية فأساسها التلامس.

صورالروائح العطريةتستعيدالذكريات

وتستدعى التساؤل عن نوعية الروائح التى كانوا يتطيبون بها في حياتهم.وتظهر ضمن ا«لنقش البارز» الذي يصور تحضيرالعطور بعصر الأزها، فتاتان تقومان بعصر «اللوتس الأزرق»، الموضوع داخل قطعة من قماش الكتان مع قليل من الماء،بعصاتين تلفان طرفى قطعة القماش في اتجاهين متعاكسين. ويستقبل «الزيت العطرى» المستخرج إناء من الفخار . والفتاة الحاملة لسلة تحوى «أزهار اللوتس» فوق رأسها، تستحضرة ليدخل في عملية العصر.ويثيرالموضوع شغفاً حول رائحة العطر الذي يحتويه الوعاء.وسوف تسفرمواقف مماثلة،عن الشعور بالمشاركة العاطفية من خلال شم رائحة زهوراللوتس أو روائح البخور، وبخاصة في الأجواءالشعائرية غيرالعادية.وهناك نماذج أخرى من النقوش على جدران مقابرالمصريين القدماء تجسد استخراج الروائح المستخلصة من مصادر أخرى،بحرق «الراتنج» و«اللبان» وا«لصمغ»،أو بنقع الأخشاب ذات الروائح العطرة في مزيج من الزيت والماء.

مأدبة في ضريح "نب أمون"

وقد زينت جدران ضريح" نب أمون"فى طيبة رسوم فنية(1350قبل الميلاد –الأسرة 18 محفوظة في المتحف البريطانى) غاية في الرقة ، لفتيات يتبادلن الأحاديث في مشهد يثيرالإحساس يالاسترخاء والاستمتاع إلى الأبد.وتدل طريقة الرسم على المهارة الفائقة التي امتلكها الفنان المصرى القديم ،حينما استطاع بعبقريته أن يظهرلون بشرة الفتيات الجالسات في المأدبة من تحت طيات نسيج القماش.وتقدم اللوحة قدراً من ا«لمعرفة» عن حياة الطبقة الراقية في ذلك الزمان، أكثر من أي سجل رسمي.ويمكن للمشاهد أن يقوم برحلة بصرية في أرجاءالعمل الفنى،متتبعاً أوضاع الفتيات اللاتى يقدمن لبعضهن البعض أزهار اللوتس ليشمونها، ويرتدين «أكاليل الزهور»و«أقماع الشمع المعطرة» فوق رؤسهن،وسخاء الذهب واضح في القراط والخواتم ونهايات الشعرالمضفر المستعار.

ومن المؤكد أن صلة الروائح بالذاكرة وبالعواطف وبردود الأفعال نحوها قوية. وتشير "النصوص المصرية القديمة" المنقوشة، إلى أهمية «العطور »و«روائح البخور» أثناء تأدية الطقوس في الأماكن المقدسة،وكذلك الاهتمام بالتعطر بالروائح الزكية في الحياة اليومية.والتفسير الأيقونولوجى لمثل هذه الصور المصرية يفترض اكتشاف كيفية تفعيل عناصر بصرية لحواس أخرى غير بصرية.أي توضيح كيف توصل الفنان في "عصر الدولة الحديثة "إلى طريقته الفنية لتصويرالآثار المترتبة على شم الروائح،وكيف أشاع في فضاء المقبرة أجواءمعطرة؟.ورغم الارتباط المنطقى بين صور «مخاريط الدهون العطري»ة ومشاهد «المآدب»، إلا أنه من المحير بالنسبة للتفسير من منظور بصرى بحت ، وجودها كذلك في مشاهد «الصيد» و«القنص» و«الزراعة» .وفى هذه الحالة يصلح التفسير«الأيقونولوجى »الذى يشمل المعنى الماورائى ،على أساس أن مثل هذه الصور «لمخاريط الدهون العطرية»، تثير «حاسة الشم» في القبور ،وتضمن الفعالية السحرية في فضاء المقبرة.وبانخراط الزائر بالالتقاء مع الماضى ،من خلال ممارسة تجربة حسية حية ومباشرة ،ومحاولة ربط أحداث الماضى بما تبقى منه في الحاضر.وإعادة اختبارها من منطلق تشابه الحاجات الأساسية للوجود الإنسانى.مثل الحاجة لوسائل للتواصل غير لفظية تعتمد على الحواس الخمس.فإن «حاسة البصر» تتوصل للأفكار والمشاعر عن طريق الألوان والأشكال. وبوسع «حاسة الشم» كذلك جلب صور الذاكرة واسترجاع المشاعر إلى الذهن ، بينما تخترق رائحة الزهر الخياشيم فتستدعى الصور التي ارتبطت بها ضمن خبرات و مواقف مضت . وتستخدم الروائح المختلفة في تحقيق التواصل .وهناك أيضاً«حاسة اللمس» وسيلة مجدية للاتصال وللتعبيرعن «الأفكار »أو «الانفعالات».

وفى الحقيقة أن فهم العالم وتمييز«العواطف الإنسانية» يتوقف أساساًعلى موقع الاتصال المباشر والحى مع «الواقع االمادى» عن طريق حواس «البصر» و«السمع» و«اللمس» و«الشم» على نحو شامل، للتعرف على طبائع الناس والأماكن والأشياء التي لها تأثيرعلى الوجود. وتعد الأشياء المادية «نقطةمحورية» في الرؤية. أما الفنانون عبرالعصور فقد أدركوا إمكانية تمثيل الأشياء غيرالمادية( غيرالمرئية) بصريا، مثل تصوير "الروح" بطريقة ما من خلال تأثيرها المرئي على العالم المادى .ومن أمثلة ذلك تجسيد المعانى الروحية من خلال تعبيرات الوجوه، في تماثيل ولوحات"عصر النهضة" التي تصور «المسيح المصلوب» أو «العذرا والطفل» .ويرغب الفنانون في توثيق الصلة بين الفنون البصرية والمعانى الروحية، بحيث نجلب شيئا من الحياة،و الأفكار والعواطف المتعلقة بها.

مستقبل الدراسات الجمالية المعاصرة والحواس

يحتاج افتراض "الدراسات الجمالية الحديثة" أن حواس"البصر والسمع" هي وحدها الجديرة بالاهتمام والبحث، لقدرتها على إنتاج الفن، إلى إعادة النظر وتمديد "النظرية الجمالية" لتشمل كل الحواس،لأن «اللمس »و«الشم »،تبعاً للأفكار الجمالية التقليدية لا تنتجان تحفاً فنية،لذا فهما من «الحواس الثانوية». ولذلك انحصر اهتمام برامج "تنمية الحواس" على «الفنون البصرية» و«الموسيقى» ،غير أنهما ليسا مجرد محفزات. فقد تعالج أشكال من الرسم والموسيقى والرقص الحواس متداخلة ،فتمزج بين «المرئى »و«السمعى» و«اللمسى» و«الشمى».ومن المعروف أن دور«الشم» و«السمع» كان أكثر أهمية في العصورالتى سبقت الحضارة، وظلت مترسخة في نظم اجتماعية ورمزية بطريقة محددة،تنسق رد الفعل تجاه المؤثرات الحسية. ومن الناحية «النظرية الجمالية» ينبغى أن تتخلص من «المثالية الميتافيزيقة». ويقدم الفن التشكيلى أمثلة ، مثل «فن الأرض» (حيث التفاعل الذي يشمل حواس البشرية مع البيئة) و«فن الجسد».وفى جماليات الحواس الثانوية تتحرر الحواس من معناها السلبى كحواس مستقلة عن غيرها وكحواس مجردة، بمعنى استقلال الإنسان عن العالم، فيصبح كصدى للبيئة.ونظراً لتعقد الجوانبالثقافية والرمزية والاجتماعية للحواس التي يطلق عليها «ثانوية»،فإن تعقد تركيبها يؤهلها لأن تحتل مكانة مهمة في الدراسات الجمالية المستقبلة .


الإدراك الحسى التحولى

حينما يعثرالفنان على أصول لعمله الفنى في صورغيربصرية،حينئذ سوف يدمج ما أدركه «بحواسه غير البصرية» (السمعية واللمسية والشمية)فى «الصيغة الفنية»، فينفذ سحره في «صور تحويلية» وعملاً فنيا.وبالنسبة للفنان "ماتيس" تصبح «بقعة لونية» ذات بريق ، بمثابة فكرة أو نمط معبردون قصد،وسرعان ما تجئ مثل «ومضة البرق» المحفزة، فيلتقطها بسرعة،قبل أن تغيب عن مجال الإدراكه لتشع في عمله الفنى. ويمثل "الإدراك الحسى التحولى" الصفة الإعجازية ذاتها الكامنة في «الرؤية». وفى هذه الحالة يصبح تفكير الفنان على هيئة صور. والواقع أن بوسع الإدراك الحسى التحولى أن الأفكار الذهنية يمنح قوتها ويعمل على توسيعها. بل ان مهمة «العملية التحويلية » بتعديل للشكل والجوهر و«الصيغة البديعية». حيث يندمج شكل البيئة المستوعبة مع العناصر المعنوية ويعدل كل منهما للآخر في عملية التحول، التي تحافظ على هوية كل من العنصرين. و«الحواس» تمنح الشكل والعقل يصوغه. ويمارس الرسام تجربة الإدراك الحسى التحولى فيستمد طاقته الفاعلة من مخيلته، ومما احتفظ به العقل من التجارب والمشاعروالانطباعات الحسية،ونتيجة لتفاعل المخيلة مع مع «الذاكرة الصورية».والتحويل في العملية الإبداعية " يتم حين يمر إدراك الفنان الحسى للعالم عبر رؤيته ليصبح العمل الفنى ."[14]

القيمة الجوهرية للتحول

يصل الفنان في إلى ذروة الإنجاز الفنى حين يكون في أقصى حالات التفتح نحو إيقاعات الطبيعة ،متحداً مع «الحيوانات »و«الجبال» و«الأشجار» و«الآزهار»،فيصيغها في حركة حيوية وإيقاعية تعكس «جوهر الحياة»، بوصفها أعمالاً فنية.حيث يصورالفنان إحساسه بالحركة الطبيعية للموضوع كإدراك حسى تحولى. ولم تكن لوحة "الرقصة " (1910)التي رسمها "ماتيس" مجرد محاكاة لمشهد رقصة " الفاراندول" التي تجرى في طاحونة "جاليت" ،وانما هي "صورة"تكونت كرؤية وصياغة تعميمية، لتشمل الراقصين أثناء تناغمهم مع إيقاع الموسيقى، و"بنية" تولدت في الذاكرة كتصور يتمتع بمرونة وذاتية وقدرةعلى الحركة والتحول كصيغة بديعية حسية،عبارة عن صياغة بصرية مكانية للحركة في الفراغ ،بحيث تشمل «اللمس» و«البصر» و«الرائحة»،و«الحركة الشمولية» للساق مع الذراع والجسد. و ما استحوذ على البصر ينطبع في الذهن بواسطة الشعورالعميق حتى يلتصق به، ويصبح الشكل غير متميز عن الشعور بل يصبح الشكل شعوراً والشعور شكلاً.

تمثل" الصورة البديعية" المتصورة في لوحة"الرقصة" التي رسمها "ماتيس" مع اندماجا بين عناصر منتقاة من رؤيته لرقصة"الفاراندول" فى" طاحونة جاليت" وعناصر مستدعاة من «الذاكرة الصوربة». وتعنى «الرؤية الفنية »الاحساس الموضوع في الحركة.ويتضمن رسم لوحة «الرقصة» مشاهدة الرقصة والإحساس بها بل وتأديتها وتذكرها في نفس الوقت. والصيغة البديعية المتصورة هي الصياغة المتحركة التصميمية لذكرى الصورة. وتحفز «الفكرة» و«الاحساس البدئي» المخيلة نحو انبثاق «الرؤية الفنية» في عمل فنى.وتفهم تقنية «ماتيس» في الرسم على أنها تجاوب عناصراللوحة أي تجاوب الصورة مع «المعنى المهيمن» أو «الحركة المهيمنة» التي هي الإحساس الرئيسى.وذلك يعنى أن الصورة وجدت قبل رسمها، والتقنية هي مسيرتها التطورية.فمنذ البداية كانت لدى "ماتيس"رؤية كلية لفكرة تكوين لرقصة "الفارندول" كانت بمثابة القوة الموحدة والمنسقة للتناغم التي انتجت تكوين لوحة"الرقصة" كبنية وليس كتجميع.وحين تكون المخيلة تحت سيطرة «الغريزة»، فإنها تتوصل إلى أفضل فكرة مبتدعة.والاستجابة الترابطية تعنى الرؤية مصحوبة بفكرة أو بصورة من الذاكرة فتندمج مع الرؤية البصرية.وبفضل الترايط تقوى نغمة الإحساس بالشئ، ويضفى عليه حيوية ودلالة ،أي يصبح جماليا.

وفضلاًعن الاستمتاع بالروائح والملامس كموضوعات جمالية ،فكثيراً ما تبعث الإحساسات «الملمسية» و«الشمية» بواسطة أعمال فنية «بصرية »أو «سمعية» حيث أضفت على الأعمال الفنية قدرة تعبيرية .ويجتذب «التصوير» و«النحت »حاسة «اللمس »و بالإضافة إلى التطلع إلى تمثال "خفرع" قد يغرى بتحسس مادة حجر «الديوريت».وفى العادة تثير التماثيل فكرة "القيم اللمسية" التي من شأنها أن تحفز «الخيال »إلى أن يحس بكتلة التمثال وبأبعادها في الفراغ ،وتشجع خيالياً على تلمسه أو الدوران حوله.وأحياناً يصبح في وسع الموسيقى إثارة الاحساس بالنعومة والصلابة والخشونة.ورغم أن مظاهرالجمال الحسى موجودة في الطبيعة كـ «رائحة الزهور» و«لمس الحجر» وفى حركات البشر، فإن الشكل لايتمثل إلا حين يشكل الفنان المادة والموضوع والانفعال والخيال في عمل فنى، «لوحة »أو »تمثال» أو «مقطوعة موسيقية»، على نحو حيوى وساحر.والشكل ينظم التعقيد ويوحده ،ويضفى على العمل الفنى طابعه الكلى.ويرجع التعبيرإلى «التداعى»(الترابط) أي ارتباط الموضوع في الذهن بتجارب سابقة ترسخت في الذاكرة والمخيلة.وتخيل الحركة يتمثل في قوة الخطوط واتجاهها التي تثير التوتر والاندفاع في الصورة.ومع ذلك فإن «التداعى» لا يكون ممكناً إلا بفضل «النمط الكامن » للصورة، فالخطوط والصوات والألوان معبرة بسبب سماتها البصرية والسمعية الكامنة ولذالك ترتبط بأفكار وانفعالات معينة. ———————————————————————————————————————————————————————————————————

مصادر}}

1-محسن عطيه :اكتشاف الجمال في الفن والطبيعة،عالم الكتب القاهرة2005الصفحة80

2- ________ :التجربة النقدية في الفنون،التشكيلية،عالم الكتب،القاهرة 2011 الصفحة115.

3-جون ديوى :الفن خبرة،ترجمة زكريا إبراهيم،دار النهضة العربية،القاهرة 1963 الصفحة205

4-ألان باونيس:الفن الأوربى الحديث،ترجمة فخرى خليل،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت 1994 الصفحة118

5-محسن عطيه:التفسير الدلالى للفن ،عالم الكتب القاهرة 2007الصفحة164

6-جون ديوى:الفن خبرة ،ترجمة زكريا ابراهيم،دار النهضة العربية، القاهرة1963.ص311

7-محسن عطيه:القيم الجمالية في الفنون التشكيلية،دار الفكر العربي، القاهرة 2000 الصفحة168

8-جون ديوى :الفن خبرة ، الصفحة199&200

9-محسن عطيه:القيم الجمالية، الصفحة 172

10-جون ديوى:الفن خبرة الصفحة 200

11-Margaret Hess Johnson,: John Dewey’s Socially Instrumental Practice at the Barnes Foundation and the Role of “Transferred Values” in Aesthetic Experience,The Journal of Aesthetic Education,Volume 46,Nomber2,summer 2012.pp. 43–57

12-Alfred H. Barr& Henri Matisse . Matisse ( Interviewed) ,Appendix .New York.1951.p. 562

13-توماس مونرو:التطور فىالفنون،الجزء الثاني،ترجمة محمد على أبودرة واخرين,الهيئة المصرية العامة للكتاب1972 الصفحة 277

14-فرانكلين ر. روجرز:الشعر والرسم،ترجمة مى مظفر،دار المأمون،بغداد 1990 الصفحة71

فلسفة الفنون

جماليات الفنون والنقد الفنى

القيم المتحولة أو المنقولة

وحدة الفنون

فن الرسم والموسيقى وتداخلات الحواس