حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل الثالث والعشرون
رغمَ تلكَ الخدوش التي أظهرت قوتها وتمردها على عالمُكِ الطاهر، إلى أنكِ أَمنتِ بشخصي، كما لو كنتُ نبيٌ قادمٌ بديانةٍ جديدةٍ، حملتي مذهبي بقلبكِ العفيف، كانت صلاتكِ تقام في مسجدِ جدارَ قلبي، كبرتي حتى تصادمت نبضاتُ قلبي ببعضها من رنةِ صوتكِ، كان وضوءكِ غيرُ منصفٍ فأنتِ ترتوينَ مني الحبَّ، وتدمجيهِ مع ماءِ الوضوء، أي صلاةٍ تقبلُ لكِ يا براءةَ السماء ؟! وصلا للمنزل فمدَّ سامرٌ نفسهُ على الأريكةِ، وذهبت منى لإحضارِ لاصقاتِ الجروح، وضماداتٍ . منى : هيا يا سامر آكشف لي عن جسدك لأقوم بمسحِ وتضميدِ جروحكَ. سامر : لا عليكِ يا منى، أنتِ متعبة، دعيها هنا سأفعلُ هذا بنفسي. منى : لا، هيا آسترخي واكشف لي عن جسدكَ . كشفَ سامرٌ عن صدرهِ، خجلت منى ولكن تماسكت لأنها هي من طلبت هذا، قامت بتنظيفِ الجروح وتطهيرها، وأثناءَ ذلكَ غطى النومُ سامر، أعادت منى الأدوات الإسعافية لمكانها وأحضرت لهُ غطاءً وغطتهُ، ذهبت للمطبخ وبدأت بطهوِ الطعام. العجوز : أنتَ أيها الحارس. الحارس : ماذا تريدينَّ ؟ العجوز : أخبرني ماذا جرى مع سامر ومنى ؟ الحارس : لم يعدم . العجوز : هل عفت عنهُ منى ؟ الحارس : نعم حمدت العجوز الله كثيراً، وآطمئنت على حالِ منى الآن، ولكن خطر ببالها حلمُ سليم حين غادر قائلاً لمنى : إلى اللقاء، فهذهِ هي الرسالةُ الثالثة التي رفضت العجوز إخبارَ منى عنها، إذ أنّ كلمةَ سليم الأخيرة توضح للقاءٍ بين سليم ومنى، لكن سليم ميتٌ كيفَ سيلتقي بمنى ؟ تمنت العجوز من الله أن يحفظَ منى وطفلها. استيقظَ سامرٌ من نومهِ ولم يرى منى، ففزعَ وبدأَ الصراخ : منى، منى أين أنتِ ؟ منى : أنا هنا يا سامر بالمطبخ. ركضَ سامر نحو المطبخ، ورأى منى تضعُ الطعامَ على المائدة . سامر : لقد أخفتني ! منى : لِمَ ؟ سامر : لم أراكِ حولي فخفتُ أن يكونَ قد حدثَ لكِ شيئاً. منى : لا تخف يا سامر، هيا اجلس لنتناول الطعام لم نأكلُ شيئاً منذُ يوماً. سامر : معكِ حق. أثناءِ تناولهما لطعام، منى : سأذهبُ بعد قليل إلى جدتي، لأطمئنَ عليها. سامر : لا ستبقينَ هنا أنا سأذهب. منى : لا أنتَ ما زلتَ متعبٌ وجروحِ جسدكَ لم تلتئم بعد. سامر : حسناً سنذهبُ معاً. منى : لا ستبقى هنا . سامر : حسناً. أنهت منى طعامها وتوجهت نحوَ قصرِ الملك، طلبت من الحارس رؤيةَ جدتها، ولكنهُ طلبَ منها الانتظار لأخذِ موافقةِ الملك، وافقَ الملك على مقابلةِ جدتها بشرط أن تنظفَ القصر كما نظفتهُ من قبل، وافقت منى على هذا الشرط، أخذها الحارس إلى المكان الذي يحبسونَ بهِ جدتها . العجوز : أهلاً بكِ يا حبيبتي. منى : اشتقتُ إليكِ يا جدتي. العجوز : كيف استطعتي الدخولَ عندي ؟ منى : مقابل أن أنظفَ القصر. العجوز : ولكن هذا عملٌ شاقٌ عليكِ يا ابنتي. منى : لا بأسَ يا جدتي، لقد أحضرتُ لكِ طعاماً. العجوز : أشكركِ يا ابنتي، كيف حالُ سامر ؟ منى : بخيرٍ، لكنهم عذبوهُ مثلما عذبوني. العجوز : هل غفرتي لهُ يا منى ؟ منى : نعم يا جدتي سيبقى والدُ طفلي، كما أنهُ يحاولُ جاهداً أن يرضيني، ودائماً ما يقفُ بجانبي. العجوز : تذكري يا ابنتي أنه لم يتبقى لكِ بهذهِ الحياة غيرَ طفلكِ وسامر، حاولي أن تغفري لهُ من قلبكِ أيضاً وليسَ من عقلكِ فقط. منى : وما الفرقُ إن غفرتُ لهُ من عقلي أم قلبي ؟ العجوز : من عقلكِ كما جاء تبريرُ عفوكِ عنه الآن، أما من قلبكِ حينها ستحبينهُ وترضينَّ بأن يكونَ زواجكما أكثرَ من ورقةٍ. منى : مستحيل أن أرضى بهذا، أنا ما زلتُ أحبُ سليم. العجوز : لذا اقولُ لكِ إعفِ عنهُ من قلبكِ، ويجب عليكِ أن تحاولي نسيانَ سليم لأنهُ ماتَ ورحل وانتهى كلُ شيءٍ بينكما، بداخلكِ طفلٌ من رجلٍ آخر، يجب أن يولد وأمهُ تحبُ أبيه، وإلا لن تكوني أماً عظيمة سيؤثرُ هذا على طفلكِ. منى : لن يؤثرَ عليَّ شيءٌ وأنتِ معي. العجوز : لن أدومَ لكِ طويلاً يا ابنتي، أنا كبيرةٌ بالسن، وبهذا السجن، والحربُ قادمة لا أضمنُ حياتي. منى : يكفي يا جدتي، أعدُكِ سأحاول أن أعفو عن سامر من قلبي. العجوز : أتمنى ذلكَ يا ابنتي، هو لم يقتل سليم ولم يقتل أهلكِ، اغتصبكِ ولكن تزوجكِ، وعاقبهُ الملكُ على فعلتهِ. منى : معك حقٌ يا جدتي، الآن اسمحي لي أن أذهب لتنظيف القصر، لأتمكنَ من العودةَ للمنزلِ باكراً. العجوز : أراكِ متعجلة لذهاب للمنزل ! منى : لأن سامرٌ وحدهُ هناك وما زالت جروحهُ تؤلمهُ، كما أنني أخافُ أن يلحقَ بيَّ إذ أنهُ لم يرغب بأن أتي إلى هنا وحدي. العجوز : جميلٌ هو خوفهُ عليكِ، لا تنسي هذهِ النقطةَ. منى : أراكِ لاحقاً يا جدتي، وداعاً. العجوز : بأمانِ الله يا بنيتي. أثناءِ توجهِ منى نحوَ القصر سمعت قرعَ الطبول، وجرت العادة أن تُقرعَ الطبول بالحربِ فقط، فبدأت منى تتخبطُ هنا وهناك لا تعرفُ إلى أينَ تذهب، رأها سامرٌ عن بعد فركضَ نحوها . منى : ماذا تفعلُ هنا يا سامر ؟ سامر : سمعتُ قرعَ الطبول، فأسرعتُ إلى هنا خوفاً عليكِ، هيا معي لا مجال للكلام علينا الهروبَ من هنا. منى : وجدتي يا سامر ؟ سامر : سأوصلكِ للمنزل وأعودُ لأخذها. كانت منى تركضُ معهُ بتعثرٍ، بعد عدةِ خطوات تسقطُ أرضاً، فحملها سامر حتى يتجنب إضاعةَ الوقت.