الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الفن الحديث»
ط بوت: تغييرات تجميلية |
لا ملخص تعديل وسم: مسترجع |
||
سطر 1: | سطر 1: | ||
{{شطب|مخالف للسياسات}} |
|||
'''''بقلم:د. محسن عطيه''''' |
'''''بقلم:د. محسن عطيه''''' |
||
مراجعة 19:03، 3 سبتمبر 2024
بقلم:د. محسن عطيه
رسم الإحساس الذاتي
يقصد بالفن الحديث الحركات الفنية التي ظهرت في الفترة ما بين ستينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين. وتشمل المذاهب التي تحولت عن تقاليد الأكاديمية وعن محا كاة الطبيعة وعن تصوير العالم باستخدام المنظور والظلال. وقد أعاد الفنانون الحديثون استكشاف في عالم الفن الوعي الذاتي والإحساس والخيال مثل: الانطباعية وما بعد الانطباعية والتكعيبية والسريالية، وكذلك حركات لاحقة مثل الداديه والتعبيرية التجريدية والبوب آرت, فإن مصطلح الفن المعاصر يشير إلى فن اليوم، الذي انتشر في السنوات الخمسين الماضية، منذ سنة 1970 فصاعدًا. ومن المؤكد أن الفنان الإنطباعي كلود مونيه Claude Monet [1840-1926] عندما رسم سلسلة من حوالي ثلاثين لوحة [1892-1893] لنفس الموضوع، وهو كاتدرائية ‹روان› وواجهتها، لم يكن يعنيه الكاتدرائية كعمارة رائعة على الطراز القوطي، إنما كان رسمه بمثابة محاولة لاستكشاف الضوء بطريقة أقرب إلى التجريد. وذلك يبرر الغياب التام للمنظور في رسم اللوحات، وتحويل التركيز نحو فكرة أكثر تجريدية وهي الاحتفال باللون، مع الوضع في الاعتبار التغيرات الجوية تغير الوقت. وكان مونية يستمر في العمل من الذاكرة بعد عودته إلى الاستوديو الخاص به، محاولًا تقديم انطباعاته عن الضوء الذي أصاب واجهة الجدار الحجري. هنا نواجه عنصرًا آخر من عناصر التجريد وهي الطبيعة الذاتية للفنان أو أهمية الإدراك الفردي. ويستبعد مونيه القواعد التقليدية الكلاسيكية الشائعة في محاولة لاستكشاف العنصر المهم الوحيد لبناء سطح لوحته، وهو اللون. وهذا يؤكد فقط على فكرة أن هذه السلسلة من اللوحات هي عمل فني تجريدي أولي. وتفترض الطريقة التجريدية في الرسم عدم أخذ الواقع كما هو، ولكن بالنظر إليه بعين استقصائية تتعقب تغيرات الظاهرة. كذلك تمثل سلسلة لوحات ‹أكوام التبن› [30 لوحة]التي رسمت بين 1990و1991 تنويعات على نفس الموضوع، تبعاً لاختلاف الأحوال الجوية واختلاف الفصول. وفي هذه الأعمال الفنية تجاهل الفنان الخطوط والظلال، ليحتفي بصفاء اللون وبنصاعة الضوء. كما ركز الفنان على العناصر الشكلية وجعلها رئيسية، متجاوزا التمثيل الواقعي. ومن لوحاته كذلك لوحة الجسر الياباني التي رسمها سنة 1888، حيث وضع الألوان مجزأة ومتجاورة دون مزج، وركز على التكوين ككل، دون فصل بين الشيء المرسوم والخلفية.
الفن في عصر الفوتوغرافيا
وقد كان ميلاد الفن الحديث في أوائل القرن التاسع عشر مرتبطاً بالثورة الصناعية، وبالتطورات التكنولوجية التي أثرت على البيئة الاجتماعية والثقافية. وكان ظهور التصوير الفوتوغرافي قد أدى إلى الانفصال عن التقاليد الأكاديمية في الرسم والنحت، مثلما أثر على الطريقة التي صور بها الفنانون موضوعاتهم، التي بدت مثل لقطات من لحظات في الحياة. ولم يكن لزاماً على الفنانين أن يتخذوا وضعية مثالية. كما ألهمت نظريات علم النفس الحديثة الفنانين الذين أرادوا استكشاف عقولهم اللاواعية وتجربة الأحلام والرمزية في أعمالهم. وقد أدى هذا إلى تسريع الحركة بعيداً عن التشخيصية وتحول بعض الفنانين نحو التجريد الكامل، ونحو الاستخدام التعبيري للألوان والضوء والمنظور، إضافة إلى استخدام مواد وتقنيات جديدة لخلق أعمال ديناميكية وحديثة. وبالرغم من الأسلوب ‹الانطباعي› للرسام الحديث الفرنسي إدجار ديجا Edgar Dega[[1834-1917] إلا أنه على عكس زملائه الانطباعيين، فضل العمل في مرسمه الخاص، ولم ينهي عمله في الهواء الطلق مثل باقي الفنانين الانطباعيين، رغبة في إعادة اكتشاف أعمال الفنانين الذين سبقوه مثل: الفنان الهولندي فيلاسكيز، والرسام الانجليزي تيرنر و الرومانسي الفرنسي ديلاكروا ، حيث استلهم فكرة التركيز على ضربات الفرشاة الأكثر نشاطًا، بدلاً من التركيز على الخط، وقد استطاع توسيع الفكرة بقوة، وبطريقة لم يتناولها فنان قبله. فبينما كان كلود مونيه وأوجست رينوار يرسمان مباشرة على لوحاتهما، كان ديجا يعد رسومات تفصيلية قبل أن يضع الفرشاة على لوحاته. وعلى خلاف اهتمامات الانطباعيين بالتقاط اللحظات العابرة وتأثيرات الضوء، في رسم ‹المناظر الطبيعية الخارجية›، ركز هوعلى رسم ‹المشاهد الداخلية› وموضوعات ‹راقصي الباليه› مثل لوحة«راقصات الباليه»[1898] التي رسمها" مؤكدا على الخطوط التي ترسم الحركة، وقد أعطى التأثير باللحظة التي توقف عندها الزمن."(1) إن تجارب إدجار ديجا غير مسبوقة في الفن الفرنسي في القرن التاسع عشر، وخصوصا الرسم بألوان الباستيل الممتزج بالألوان المائية. وكان للفنان موهبة خاصة نحواستكشاف الإمكانيات الفنية لأي مادة يختار استخدامها. ومن لوحاته الشهيرة راقصة تحمل باقة من الزهور (نجمة الباليه- 1878).
الرسم كنوع من البحث
أما بول سيزان(1838-1906) فإنه تحدى بتقنيته في رسم لوحات ‹الطبيعة الصامتة› التقاليد الأكاديمية وتعاليم المنظور، حيث تناول في لوحاته الفضاء بطريقة فريدة تمامًا، أثرت في مستقبل الفن من خلال الحركات التالية مثل ‹التكعيبية› وحتى ‹السريالية›. ولحل مشكلة التنوع المحتمل فى عملية الإدراك جمع سيزان في رسم الموضوعات بين أكثر من زاوية رؤية في نفس العمل الفني. ولذلك لم تكن التفاحات فى لوحته "طبيعة صامتة(1899) مجرد ثمار تثير الرغبة فى الأكل أو للمتعة البصرية، إنما تجسد فكرة التقاء الواقع مع التجريد.لقد رسم " بول سيزان" لوحة جبل سانت فيكتوار [1902-1906] عبارة عن كتلة صخرية تهيمن على الوادي في ‹بروفانس›. وكان شغفه بجمال هذا الجبل "سيزان" قد وصل إلى حد تحويله إلى أسطورة تكررت في أكثر من ثلاثين لوحة من مواقع مختلفة ، أولها في سنة 1870. بينما منذ سنة 1902، غالبًا ما كان يرسمه من مواقع بالقرب من مرسمه، على طريق منحدر. وبدا الفنان مهووسًا به كأداة للتحقيق والبحث. حيث الرسم من الأسفل ومن مسافة بعيدة، ولكن دائمًا من زوايا النظر التي تسمح بخلق لوحة مستقلة عن الواقع. ولا يمكن التعرف على الجبل إلا من خلال الخط المحيطي للجبل المرتفع في الأفق، وتظهر باقي المكونات المحيطة غير محددة ومجردة. هكذا يبدو مثل هذا العمل كبداية لنشأة الفن التجريدي الحديث، بسبب تجاهل الفنان لفكرة وصف العالم، وتركيزه على الأفكار والرغبات والعواطف التي تسكن وجدانه وعقله. وكان سيزان مقتنعا تماما بفكرة أن الواقع ليس كما يبدو، وبالتالي فإن المطلوب من الفنان هو العثور على المعنى العميق المختفي وراء المظاهر. وذلك يفسر عودة الفنان مرارا إلى نفس الموضوع وتكرارًا بحثا عن الحقيقة التي يصعب على العين السطحية استيعابه. والرسوم بدت بهذه الطريقة مثل البحث عن نوع من الشكل المتناغم، باستخدام كتلً منظمة تقسم السطح، وتغطي مساحات اللوحة بضربات فرشاة متوازية لخلق التأثير المرتعش. وكان استكشاف سيزان لدراما علامة الفرشاة المرسومة بمثابة خطوة حاسمة في مسار الحداثة.
رسوم تاهيتي
وفى أواخر القرن التاسع عشر كان الفنان الفرنسى بول جوجان Paul Gauguin قد أجرى عمليات إعادة تشكيل أسلوبه التوليفى فى الفن،من الخطوط المحيطية الثاقبة ذات الانحناءات الإيقاعية التى تؤطرالأشكال، بالتحاور مع تقاليد فنية من ثقافات غيرغربية،رغبة فى التوصل إلى اللوحة التى تتشكل من وحدة جمالية بسيطة. وكان يبحث عن «جنته الساحرة»التى لم يعثرعليها فى تقاليد الفن الغربى وإنما عثرعليها فى الأنماط الشرقية التى تحتفل بفكرة «النقاء». وفي لوحات بول جوجان التي رسمها في تاهيتي ساد جمال غامض يمثله بشر يعيشون في جنة أرضية، لهم عقيدتهم البدائية. وكان بول جوجان يبحث عن العنصر السائد في تركيب الشكل واللون، وقد نصح صديقه «اميل شوفينيكر قائلا: لا تحاكي الطبيعة أكثر مما ينبغي ، فالفن تجريد عن الطبيعة، يحدث بينما يكون الفنان في حالة حلم وسط هذه الطبيعة.»(2)
الإحساس بالبهجة
اختار هنرى ماتيسHenri Matisse (1869- 1954) الألوان فى لوحة ‹أسطح كوليور›( 1905) ببصيرته وخياله الحر. بل عشوائيا لضمان التأثيرالساحر والتعبير تبعاً للإحساس أكثر من العقل، ليتجاوز المرئى ويصل إلى اللامرئى فكادت تسمع الأصوات أثناء التطلع للألوان . «والتأثير الكامل لصور ماتيس هو منظر هو منظر زهرة متفتحة ، أو منظر شرقي ، فهو دائما يبعث البهجة والسرور. وتحتفظ هذه الصور باستمرار بنضارتها وبساطتها .» (3). لقد بلغ تطور التسطيح اللونى والانسياب الخطوطى ذروته فى لوحة الرقصة للفنان ماتيس(1869-1954) معبرا عن اقصى درجة من التاثير اللونى بالبهجة والصفاء. وتمثل اللوحة معنى حب الحياة المفعمة بالتناغم والإشراق والخالية من التوتر والقلق.
الفن التكعيبي
واستطاع بابلو بيكاسو Pablo Picasso (1881-1973) أن يطور باختراعه للتكعيبية منذ سنة 1907 لغة بصرية ثورية من المسطحات والزوايا المتناوبة التي ضغطت الفضاء وحولته إلى مكونات هندسية. وقد دمج بيكاسو «في الوجوه التي رسمها من زاويتين للرؤية في نفس الوقت، الصورة الجانبية مع المنظر الأمامي، لتمثل رمزا للحركة المتجمدة، وكذلك تمثل إزاحة للضغوط التي أصابت الفنان، فتحولت إلى تقنية وتصميم ورمز.»(4). لقد أجرى بيكاسو تجاربه في الرسم بحثاً عن شكل جديد، يتجاوز قواعدالتمثيل الكلاسيكية وتعاليم "المنظور الخطي" وابتكر لوحته ‹آنسات أفينيون› [1907]التي غيٌرت أساسيات الفن الأوروبي المتعارف عليها. وما كان مجرد تجارب تحول وأصبح بداية للحركة ‹التكعيبية›[1907-1914] التي أنجز الفنان بأسلوبها أكثر الأعمال الفنية غموضًا في تاريخ الفن بأكمله. كذلك جرب بيكاسو مجموعة متنوعة من الوسائط، ومنها قصاصات الورق، ومع ذلك كان تأثيره كبيرًا لدرجة أنه أصبح يحتل مكانًا قويًا، لأن ابتكاراته أدت إلى ظهور العديد من الأساليب الفنية. وللفنان تصريح سنة 1923يقول فيه: «في رأيي، في مجال الرسم البحث لا يعني شيئًا. العثور في الرسم هو الأهم.»(5)فهو يوضح سبب تحويله لمرسمه منذ سنة1912 إلى ما يشبه المختبر، حيث اخترع في تقنية ‹التلصيق› Collage من خلال لوحته ‹طبيعة صامتة وقماش على شكل قاعدة كرسي قش›، ولم يكن من أعراف فن الرسم قبل ذلك، إضافة مادة من العالم الحقيقي. ورغم أن تصرفبيكاسو يعد انتهاكا لنقاء نمط العمل الفني،إلا أنه قد تم الاعتراف بـ ‹الكولاج› كتقنية جديدة وهامة لصنع الفن، ضمن تاريخ ‹التكعيبية›وكشكل فني جديد، مما ساهم في توسيع تعريف الفن. وقد احتل التوليف مكانته في لفن الحديث للتعويض عن العنصر البدائي المكبوت في لاشعور الفنان، فلجأ الفنان لأساليب ‹الكولاج›(التلصيق)collage و‹الفروتاج› frottage ليخوض مغامرته بهجر التقاليد المستهلكة بحثا عن المدهش في غرابته. «وفي الكولاج collage عندما يتجاور شكلان منفصلان من البيئة المستوعبة في مخيلة الفنان على سطح العمل الفني ، ينتج الواقع الأشد قوة، الذي هو العمل الفني.»(6). ومن المفترض أن إضافة شيء مادي في لوحة مثل: قصاصات الصحف، والأقمشة، والمعادن والحبال والكتابة، جاء تحقيقاً لرغبة الفنان في الاتصال بالواقع، تعويضاً عن التجريد المتزايد للتكعيبية التحليلية، وإشارة إلى الطبيعة الحقيقية للأشياء. وهذه التقنية الثورية الجديدة، قد جعلت الفنان بعد عام 1915، يكاد أن يتوقف عن استخدام استخدام الفرشاة والألوان الزيتية في الرسم. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن يظل العمل فنًا بينما لم يقم الفنان بصنع كل مكوناته بيده ً؟ وهل يقلل من قيمة العمل استخدام تقنية ‹الكولاج›؟ وإذا أتاحت التقنيات الحديثة الفرصة لغير الفنانين بالتعامل معها، فهل بمقدور أي إنسان التوصل باستخدامه لها أن يصل إلى مستوى إبداع بيكاسو؟. فلقد استخدم تقنية ‹الكولاج› بالفعل فنانون بعد بيكاسو وحققوا نوعيات مختلفة مدهشة، من حيث التصورات والمعاني والغايات الفنية والجمالية، ومن حيث نفسية الفنان وتكوينه العاطفي والثقافي وتوجهاته في الحياة.
النعبير عما وراء الشعور
تحدى السرياليون مثل الرسام الإسبانى سلفادور دالي Salvador Dalí (1904- 1989)الواقع من خلال إنشاء تركيبات سمحت للعقل اللاواعي بالتعبير عن نفسه. وقد أفسحت هذه الأساليب الثورية الطريق لحركات طليعية مثل دادا التي نشأت خلال الحرب العالمية الأولى كرد فعل ضد الحرب، بابتكار أعمال ساخرة وغير منطقية تحدت فكرة ما يمكن اعتباره فنًا. لكى لا يظل الفنان أسيرا لصراعاته، يمارس الفن لينفذ عبر لاشعوره. حيث تشحن أحلامه عمله الفنى. هكذا تداخلت الأزمنة والأماكن فى لوحة ‹إصرار الذاكرة›(1931) لـ دالى مثلما فى الحلم أو فى حالة الهذيان. وقد استثمر الصدفة لتحفيزالخيال. فجمع بمهاراته بين الواقعية المفرطة مع التراكيب غيرالمنطقية. لقد منح دالى في لوحته بعنوان ‹إصرارالذاكرة› فكرة فناء الوقت صورة متمثلة فى ذوبان الساعات باحتشاد النمل. ويظهر فى الصورة أربع ساعات بوضوح، وفى الخلفية صحراء خالية.وبذلك عثر قي صورة الساعات الذائبة على مايرمز إلى فناء الوقت. فالانتقال من الصورة إلى الرمز «يجعلها عميقة دلالياً» . (7). حيث تتحول هذه الصورة إلى فكرة كلية، لها فضاء وكون إنساني. لأن المتوقع أن يكون شكل الساعات مسطح، أما عندما ترسم مثنية وفي حالة مائعة في الصحراء، فإنها تتحول إلى رمز لذوبان الوقت، أو لمروره غير المنتظم، مثلما يشعر به المرء أثناء الحلم، بطريقة مختلفة عن مرورالوقت فى الحياة اليومية. وأيضًا تشير الساعات المائلة إلى أن الوقت فى عالم الأحلام يصبح اعتباطيًا وغيرمنطقي. وبينما يكون الناس فى عجلة لإنهاء أمورهم فى الوقت المحدد فى الحياة اليومية، يجدون الساعات تذوب وتتلاشى. واللوحة هكذا تمثل نوعاً من السخرية من الاهتمام الزائد بالساعات التى تحدد مرورالوقت، أو تعقده دون ثبات، على عكس ما تشير إليه الساعات الميكانيكية. لقد ارتادداليعالم اللاشعور، بغرض تحرير مكبوتاته من القمع. وتشهد لوحته إصرار الذاكرة على الكيفية التي تتحول بها عملية الرسم إلى نوع من الدهشة والإثارة، بسبب التقاء العناصر المتناقضة. وأدى تحدي مبدأ نقاء الأسلوب الذى دعت له المثالية الكلاسيكية، إلى الموقف المعاكس في عروض الدادئيين التى اشتملت على التوليفات من نفايات البيئة، حيث أعطيت الأولوية للصدفة والإحتمالية واللاوعى كسبيل للإبداع المباشر. وقد احتل التوليف مكانة أولوية فى ثنائية: النقاء/التوليف. ولجأ الفنان شفترزSchwitters K. [1887-1948]) فى عمله بعنوان ‹أوندبيلد› (1919)إلى إستخدام المواد الغريبة بطريقة الكولاج مثل المسامير والورق والأسلاك والخردة من نفايات البيئة.
العمل الفني والتقنية التوليفية
وفي لوحة ‹بين أشياء صغيرة›(2014) اتبع محسن عطيه تقنية توليفية، حولت المشاعر إلى علامات، أفسحت للمشاهد مساحة حرة للتفسير. وفى هذا العمل طمس الفنان الحدود التقليدية بين الفن والأشياء التي تصادف فى الحياة اليومية، وجمع بين «الأداء» و«التصور»، لأن المهم عنده هو الفكرة. ويرغب باستخدامه للمواد غير التقليدية في أن يمزج الغموض بالدهشة، بعد أن حول الأشياء إلى استعارات تستدعى الصور من الذاكرة. ومن الممكن العثور في ‹التوليف› على لغة للحوار بين الأجناس المختلفة، مثلما يصبح من الممكن التعايش بين ‹العقل والعاطفة› أو بين‹المنطق والحدس›، أو بين‹الطبيعى والمصطنع›، أو بين ‹الصلب واللين›، أو بين‹الخشونة والنعومة›، أو بين ‹التخطيط والعشوائية›. وتصلح البروزات والنتوءات فى اللوحة كبيئة جاهزة. والأسلوب الفنى هكذا يستند إلى التورية و التنكر والتمويه باستعمال المعانى المزدوجة فى تمثيل الشيء نفسه بطرق مختلفة، لذا يساهم فى تحويل الإشارات إلى أكثر من مجرد صورة، وإلى إبداع يحررالفن من القيود. وفى الحقيقة أن السبيل للفن هو الاعتماد على الذاكرة الصورية، لأن فكرة الشيء تكون قد تركت علامة يصعب محوها. إن لوحة بين أشياء صغيرة تتحدى النمط التقليدي لفن الرسم، بسبب كونها اتخذت شكلا من خلال تجميع وتلصيق أشياء جاهزة التقطت بطريقة عشوائية، ومن هنا فهي التمثيل الحقيقى لمعنى الاحتفاء بقوة الإبداع، عندما يمنح فكرة شكلاً ودلالة، تشد انتباه المشاهد للقطعة الفنية. فبتقنية ‹الكولاج› جمع تجمع الصور والأشياء، في نطاق سياقات جديدة و تكتسب معاني جديدة. إذ أن ‹الكولاج› يقوض المعاني التقليدية وفي نفس الوقت يضاعف المعاني المستنبطة، مما يخلق أعمالاً لا تستقر بسهولة في تحليلات ثابتة واحدة. وأثناء التجميع التلصيق للمواد المتنوعة المصدر يكون التركيز على عملية تصور والاختيار للفكرة من بين احتمالات صورية عديدة. وفي الواقع أن البشر في حاجة لاستعادة ‹العمل اليدوي›،ولإشباع غريزتهم البدائية للمس والاتصال والشعور بالتجذر بطريقة ما. كذلك يستعيد محسن عطيه هذا العالم، حيث يمزق ويلصق ويعمل بيده. أما ‹الفن الهجين› فيشكل أساساً لجمالية معاصرة تعكس الحياة. ويبدو الفنان بتناوله لتقنية الكولاج مثل "ساحر" عندما يقرن الحبل الملتوي والمتشابك ببذور شجرة السنط وأشياء أخرى مصنعة، مع أصباغ وعجائن ممتزجة بحصى. «وقد لجأ الفنان محسن عطية فى رحلته مع التجريد بعد أن أطلق العنان لخياله بحرية وعفوية وتلقائية إلى استخدام الوسائط والخامات العديدة، مما يساهم فى إثراء التعبير مثل الشرائح الكولاجية بتشييد أشكال من الورق الملون على نحو يماثل أجزاء من الأجسام أو العناصر المألوفة، وقد تحررت اللوحة من النظم الإنشائي المسبق وذلك من خلال انبثاق الجزئيات من نقطة وانفراجها على السطح بجمال فى البناء، فتفصح عن أشياء وتخفى أشياء تستمد تألقها من تلك الرموز التى تنساب.» (8) والتأثير الغامض ينتج في لوحة ‹بين أشياء صغيرةعن تقابل الأشياء المتناقضة بطريقة مفاجئة، لتثير الدهشة، وتظهر إمكانية الحوار بين المواد المختلفة، والتعايش بين العقل وا›لعاطفة، وبين المنطق والحدس، وبين الطبيعي والمصنع، والصلب واللين والمخطط والعشوائي. وفي اللوحة يعثر المشاهد «على ما يدعم الأسلوب الذي يعتمد على التورية والتمويه باستعمال المعاني المزدوجة في تمثيل الشيء نفسه بطرق مختلفة.»(9). والأمور الغامضة والباطنية، مهما كانت غير عقلانية، ضرورية للتعامل بطريقة أخرى مع المشاعر المعقدة التي لا يستطيع العقل التعامل معها. وفن ‹الكولاج› على وجه الخصوص يناسب الاحتفال بالممارسات الروحية. ومن وظائف الفن أن يواجهنا بصدمة حتى لا نظل «ضحايا للعادة والألفة، فالأعمال الفنية تساعدنا على أن نستعيد متعة الإثارة بما في الحياة، ونرى بذلك الأشياء المألوفة على نحو جديد.»(10) وعندما يحلم الناس، فإنهم غالبًا ما يواجهون ارتباطات غير عادية، وقفزات غريبة في المنطق « بما في ذلك الفشل في إدراك أن الحلم غريب أو غير عادي. والحلم الإبداعي بعني أن "الحلم هو الرابط الخفي بين الإنسان والإبداع.» (11) وأن الرغبة الإبداعية تنتج حياة جديدة، سواء كانت جسدية أو عقلية أو روحية. هكذا تعتبر الثقافة في أعمق مستوياتها بمثابة قوة روحية، تعطي قيمة ومعنى للحياة. وفي عمل الأحلام، نطور إبداعنا من خلال أن نكون أكثر قدرة على متابعة وتحقيق الطاقات. وتعلم كيفية السماح للإبداع لكي يتدفق. ويتركب العمل الإبداعي بمفهوم الفن الحديث من مزيج من الرؤية الشخصية والأهمية الثقافية. وجميع الثقافات تقدر الخيال والفنون. «وعندما نستكشف أحلامنا من خلال الفنون التعبيرية البسيطة، فإننا نعزز أيضًا قدرتنا الفطرية على التعبير الإبداعي عن عوالمنا الداخلية، ونوسع الطريق إلى أرواحنا.» (12)
________________________________
1-محسن عطيه، اتجاهات في الفن الحديث والمعاصر،عالم الكتب، 2011، ص42.
2- H.H. Arnason: A history of Modern Art,p.Lodon,Thames&Hudson,1977,p.78
3-جورج ا. فلاناجان: حول الفن الحديث، ترجمة كمال الملاخ، دار المعارف بمصر1962،ص223
4-محسن عطيه: التفسير الدلالي للفن، عالم الكتب ، القاهرة،2007،ص43
5-Herschel B. Chipp, Theories of Modern Art: A Source Book by Artists and Critics, Berkeley, University of California Press, 1996., p. 263
6-محسن عطيه: التفسير الدلالي للفن، عالم الكتب ، القاهرة،2007،ص49-
7-M.M. Bakhtin: the methodology of humanities, ,Aesthetics of Verbal Creativity, Iskusstvo. Moscow 1986 ,pp. 381-393
8- صلاح بيصار: من شفرات التجريد إلى مرافئ الدهشة، جريدة القاهرة،2 إبريل 2013
9- محسن عطيه، الفن المعاصر.. ماهو، المفاهيمية وما بعد المفاهيمية ، ص111
9- محسن عطيه، الفن المعاصر.. ماهو، المفاهيمية وما بعد المفاهيمية ، ص111.
10- أرثر أيزابرجر: النقد الثقافي ، تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية، ترجمة وفاء ابراهيم ،المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003،ص73.
11- Krippner, S., & Dillard, J.: Dreamworking: How to use your dreams for creative , problem-solving. New York: Bearly Limited,1987,p.15.
12-Mellick, J.: The art of dreaming. Berkeley, CA: Conari Press, 2001p.